Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 69-70)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { رفيقاً } : تمييز لما في { حَسُن } من معنى التعجب أو المدح ، ولم يجمع لأن فعيلا يُحمل على الواحد والجمع ، أو لأنه أريد حسن كل واحد منهم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن يطع الله والرسول } ويرضى بأحكامهما ويمتثل أمرهما ويجتنب نهيهما ، { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم } ، وهم أكرم الخلق عند الله وأعظمهم قدرًا { من النبيين } والمرسلين { والصديقين } وهم من كثر صدقهم وتصديقهم وعظم يقينهم وهم الأولياء العارفون بالله ، { والشهداء } الذين ماتوا جهادًا في سبيل الله ، { والصالحين } وهم العلماء الأتقياء ، ومن صلح حاله من عامة المسلمين . قال البيضاوي : قسمهم أربعة أقسام ، بحسب منازلهم في العلم والعمل ، وحث كافة الناس على ألاَّ يتأخروا عنهم ، وهم : الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل ، المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل . ثم الصديقون الذين صعِدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات ، وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان ، حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها . ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق ، حتى بذلوا مُهَجَهُم في أعلاء كلمة الله ، ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته ، وأحوالهم في مرضاته ، ولك أن تقول : المُنعَمُ عليهم هم العارفون بالله ، وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين درجة العيان ، أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان ، والأولون إما أن ينالوا مع العيان القرب ، بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريبًا ، وهم الأنبياء ، أو لا ، فيكونون كمن يرى الشيء بعيدًا ، وهم الصديقون ، والآخرون إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة ، وهم العلماء الراسخون الذين هم شهداء الله في أرضه ، وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم ، وهم الصالحون . انتهى كلامه . وفيه نظر من وجهين : أحدهما : أنه أطلق على أهل الاستدلال أنهم عارفون ، ولا يقال عند الصوفية فيه عارف ، حتى يترقى عن مقام الاستدلال ، وإلا فهو عالم فقط ، والثاني : أنه جعل الصديقين بمنزلة من يرى الشيء بعيدًا ، وأهل الفناء لم يبق لهم بُعدٌ ، بل غابوا في القرب حتى امتحى اسمهم ورسمهم . فأيُّ بينونة وأيُّ بُعد يبقى للعارف ، لولا فقدان الذوق ، ولكن لكلِّ فنِ أربابُه ، وسيأتي في الإشارة تحقيق ذلك إن شاء الله . ثم قال جلّ جلاله : { وحسن أولئك رفيقًا } أي : ما أحسنهم رفقًا في الفراديس العُلى ، فهم يتمتعون فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم ، وإن كانوا أعلى منهم ، فلا يلزم من كونه معهم أن تستوي درجته معهم ، قال في الحاشية : وتعقل مرافقة من دون النبي في المدانات من حاله وكشفه ، بحيث لا يحجب عنه ، وإن كان لا مطمع له في منزلته ، واعتبر برؤية البصائر له وعدم غيبته عنهم وأنسهم به والاستفادة منه ، رُوِي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " يزور الأعلَون من أهل الجنة الأسفلين ، ولا يزور الأسفلون الأعلين ، إلا من كان يزور في الله في الدنيا ، فذلك يزور الجنة حيث شاء " . رُوِيَ أن ثَوبَانَ مَولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتاه يومًا وَقَد تَغَيَّر وَجهُهُ وَنَحَلَ جِسمُهُ ، فسأله عليه الصلاة والسلام عن حاله ، فقال : ما بي وَجَعٌ ، غَيرَ أنِّي إذَا لَمْ أرَكَ اشتقْتُ إليك ، واستَوحَشتُ وَحشةً شَدِيدَةً حَتَى ألقَاكَ ، ثمَّ ذَكَرتُ الآخِرَةَ فخفت ألا أرَاكَ هُنَاكَ لأني عرفت أنكَ تُرفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ . وإن دخلتُ الجَنَّة ، كُنتُ في مَنزلٍ أدون مِن مَنزِلكَ ، وأن لَم أدخُلِ الجَنَّةَ فّذَلكَ حَرِيّ ألا أرَاكَ أبَدًا . فنزلت الآية { ومَن يطع الله والرسول … } الخ . { ذلك الفضل من الله } إشارة إلى ما للمطيعين من الأجور ، ومزيد القرب والحضور ، وأنه فضل تفضل على عباده ، { وكفى بالله عليمًا } بمقادير الأعمال والمقامات . فيُجازى كُلاًّ على حسب مقامه . والله تعالى أعلم . الإشارة : اعلم أن الطاعة التي توجب المعية الحسية في النعيم الحسي الجسماني هي الطاعة الظاهرة الحسية . والطاعة التي توجب المعية المعنوية في النعيم الروحاني هي الطاعة الباطنية القلبية . فالمعية الحسية صاحبها مفروق ، والمعية المعنوية صاحبها مجموع ، لا يغيب عن حبيبه لحظة . هؤلاء هم الصديقون المقربون . وفوقهم الأنبياء ، وتحتهم الشهداء والصالحون . وبيان ذلك أن العلم بالله تعالى : إما أن يكون عن كشف الحجاب وانقشاع السحاب ، أعني سحاب الأثر ، وهم أهل الشهود والعيان . وإما أن يكون من وراء الحجاب ، يأخذون أجرهم من وراء الباب ، يستدلون بالآثار على المؤثر . وهم أهل الدليل والبرهان . والأولون إما أن يرتقوا إلى مكافحة الوحي ورؤية الملائكة الكرام . وهم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام - ، وإما أن يقصروا عن درجة الوحي ويكون لهم وحي إلهام ، وهم الصديقون أهل الحال والمقام ، فقد اشتركوا في مقام العيانِ . لكن مقام الحضرة فضاؤه واسع ، والترقي في معارج أسرار التوحيد غير متناهٍ ، فحيث انتهى قدم الولي ابتدأ ترقي النبي ، وأما أهل الحجاب فإما أن يكون علمهم بالله بالبراهين القطعية والدلائل السمعية ، وهم العلماء الراسخون ، وهو مقام الشهداء ، وإما أن يكون علمهم بالرياضات والمجاهدات وتواتر الكرامات ، وهم العباد والزهاد . وهو مقام الصالحين ، ويلتحق بهم عوام المسلمين ، لأن كل مقام من هذه المقامات في درجات ومقامات لا يحصرها إلا العالم بها . والله تعالى أعلم .