Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 6-6)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الابتلاء : الاختبار ، و " آنس " : أبصر . والرشد هو كمال العقل بحيث يعرف مصالح نفسه وتدبير ماله من غير تبذير ولا إفساد . و { إسرافًا وبدارًا } : حالان من " الواو " ، أو مفعولان لأجله ، و { أن يكبروا } مفعول ببدار . يقول الحقّ جلّ جلاله : للأوصياء : واختبروا { اليتامى } قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في تصرفاتهم ، بأن يُدفع لهم الدرهم والدرهمان ، فإن ظهر عليه حسن التصرف زادهم قليلاً قليلا ، وإن ظهر عليهم التبذير كفَّ عنهم المال ، { حتى إذا بلغوا النكاح } ، وهو البلوغ بعلامته ، { فإن آنستم } أي : أبصرتم { منهم رشدًا } ، وهو المعرفة بمصالحه وتدبير ماله ، وإن لم يكن من أهل الدين ــ واشترطه قوم ، { فادفعوا إليهم } حينئِذ { أموالهم } من غير تأخير . { ولا تأكلوها إسرافًا وبدارًا أن يكبروا } أي : لا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم فتزول من يدكم ، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم { ومَن كان غنيًّا فليستعفف } عن أكلها في أجرة قيامه بها ، { ومَن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف } بقدر حاجته وأجر سعيه ، وعنه صلى الله عليه وسلم : أنَّ رجُلاً قال لهُ : إنَّ في حجْرِي يتَيمًا أفآكُلُ مِنْ مَالِهِ ؟ قال : " بالمعْرُوفِ ، غَيْرَ مُتأثِّلٍ " مَالاً ولا وَاقٍ مَالَكَ بمَالِه " . { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا } في قبضها منكم { عليهم } ، فإنه أنفى للتهمة وأبعدُ من الخصومة ، وهو ندب ، وقيل : فرض ، فلا يصدق في الدفع إلا ببينة ، { وكفى بالله حسيبًا } أي : محاسبًا ، فلا تخالفوا ما أمرتم به ، ولا تجاوزوا ما حدّ لكم . وإنما قال : { حسيبًا } ولم يقل : " شهيدًا " ، مع مناسبته ، تهديدًا للأوصياء لئلا يكتموا شيئًا من مال اليتامى ، فإذا علموا أن الله يحاسبهم على النقير والقطمير ، ويعاقبهم عليه ، انزجروا عن الكتمان . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي للشيخ أن يختبر المريد في معرفته وتحقيق بغيته ، فإذا بلغ مبلغ الرجال وتحققت فيه أوصاف الكمال ، بحيث تحقق فناؤه ، وكمل بقاؤه ، وتمت معرفته ، فيكون تصرفه كله بالله ومن الله وإلى الله ، يَفهم عن الله في كل شيء ، ويأخذ النصيب من كل شيء ، ولا يأخذ من نصيبه شيئًا ، قد تحلَّى بحلية الورع ، وزال عنه الجزع والطمع ، وزال عن قلبه خوف الخلق وهَمُّ الرزق واكتفى بنظر المَلِك الحق ، يأخذ الحقيقة من معدنها ، والشريعة من موضعها ، فإذا تحققت فيه هذه الأمور ، وأنس رشده ، فليُطلقُ له التصرف في نفسه ، وليأمره بتربية غيره ، إن رآه أهلاً لذلك ، ولا ينبغي أن يحجر عليه بعد ظهور رشده ، ولا يسرف عليه في الخدمة قبل رشده ، مخافة أن يزول من يده . فإن كان غنيًا عن خدمته فليستعفف عنه ، وليجعل تربيته لله اقتداء بأنبياء الله . قال تعالى : { قُل لآَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } [ الأنعَام : 90 ] { وَمَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [ الشُّعَرَاء : 109 ] ، وإن كان محتاجًا إليها فليستخدمه بالمعروف ، ولا يكلفه ما يشق عليه ، فإذا دفع إليه السر ، وتمكن منه ، وأمره بالتربية أو التذكير فليشهد له بذلك ، ويوصي بخلافته عنه ، كي تطمِئن القلوب بالأخذ عنه ، { وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً } [ النساء : 45 ] .