Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 23-27)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } معجزاته التسع { وسلطانٍ مبين } أي : حجة قاهرة ، وهي : إما عين الآيات ، والعطف لتغاير العنوانين ، فكونها آيات من جهة خرق العادة ، وكونها حجة من حيث الدلالة على صدق صاحبها ، وإما أن يريد بالسلطان ، بعض مشاهيرها ، كالعصا ، أُفردت بالذكر مع اندراجها تحت الآيات لعِظمها . وقال ابن عرفة : الآيات : المعجزات ، والسلطان المبين ، راجع إلى التحدي بها ، فهو من قبيل الإدعاج ، أو : يكون السلطان راجعاً إلى ظهورها إذ ليس من شرطها الظهور ، أو : يرجع إلى نتيجتها ، هو الغلبة والنصر . هـ . أرسل { إِلى فرعونَ وهامانَ وقارونَ فقالوا } فيما أظهره ، أو : فيما ادّعاه من الرسالة : هو { ساحر كذَّابٌ فلمَّا جاءهم بالحقِ مِن عندنا } وهو الوحي والرسالة ، { قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه } أي : صبيانهم الذكور ، { واستحيُوا نساءَهم } للخدمة ، أي : أَعيدوا عليهم القتل الذي كنتم تفعلونه أولاً ، وكان فرعون قد كفَّ عن قتل الولدان لئلا تعطل خدمته ، فلما بُعث عليه السلام ، وأحسَّ بأنه قد وقع ما توقع ، أعاده عليهم غيظاً ، وحُمقاً ، وزعماً منه أن يصدهم بذلك عن مظاهرته . { وما كيدُ الكافرين إِلا في ضلالٍ } في ضياع وبطلان ، فإنهم باشروا قتلهم أولاً ، فما أغنى عنهم ، ونفذ قضاء الله بإظهار مَن خافوه ، فما يغني عنهم هذا القتل الثاني ، فلم يعلم أن كيده ضائع في الكَرّتين ، واللام : إما للعهد المتقدم ، والإظهار في موضع الإضمار لذمهم بالكفر ، والإشعار بعلة الحكم ، أو : للجنس وهم داخلون فيه دخولاً أوليّاً . والجملة : اعتراض جيء بها في تضاعيف ما حكى عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه من الإبراق والإرعاد الذي لا طائل تحته . { وقال فرعونُ } لملئه : { ذروني أقتلْ موسى } ، وكان ملَؤه إذا همَّ بقتله كفّوه ، وقالوا : ليس بالذي تخافه ، وهو أقل من ذلك ، وما هو إلا ساحر ، وإذا قتلتَه أدخلتَ شبهة على الناس ، واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة ، والظاهر من دهاء اللعين ونكارته أنه قد استيقن أنه نبيّ ، وأن ما جاء به آيات باهرة ، وما هو بسحر ، ولكن كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجَل بالهلاك ، وكان قوله تمويهاً على قومه ، وإيهاماً أنهم هم الكافُّون عن قتله ، ولولاهم لقتله ، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من الفزع الهائل . وقوله : { وليَدْعُ رَبَّه } تجلُّد منه وإظهار لعدم المبالاة بدعائه ، ولكنه أخوف ما يخافه . ثم قال : { إِني أخافُ } إن لم أقتله { أن يُبدِّلَ دينَكُم } أي : بغير ما أنتم عليه من الدين ، وهو عبادتهم له وللأصنام لتقربهم إليه ، { أو أن يُظْهِر في الأرض الفسادَ } أي : ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية . والحاصل : أنه قال : أخاف أن يُفسد عليكم دينكم ، بدعوته إلى دينه ، أو : يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من التقاتل والتهارج ، الذي يذهب معه الأمن ، وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش . { وقال موسى } لَمَّا سَمِعَ ما أجراه من الحديث في قتله لقومه : { إِني عُذْتُ بربي وربِّكُم من كل متكبرٍ لا يؤمن بيوم الحساب } ، صدّر عليه السلام كلامَه بإنَّ تأكيداً له ، وإظهاراً لمزية الاعتناء بمضمونه ، وفرط الرغبة ، وخصّ اسم الرب المنبىء عن الحفظ والتربية إذ بهما يقع الحفظ . وفي قوله : { وربكم } حث لهم على أن يقتدوا به ، فيعوذوا بالله عياذتَه ، ويعتصموا بالتوكل اعتصامَه ، ولم يُسمّ فرعون ، بل ذكره بوصف يعمه وغيره من الجبابرة لتعميم الاستعاذة ، والإشعار بعلة القساوة والجرأة على الله تعالى ، وهو التكبُّر . قال ابن عرفة : أشار إلى أن كفره لم يكن لأجل أن موسى لم يأتِ بدليل ولا معجزة ، ولم يكن أيضاً لخفاء تلك المعجزة ، وعدم ظهورها ، بل كان لجحود التعنُّت والتكبُّر ، والإباية عن الانحطاط من سلطنة الملك إلى رتبة الاتِّباع . هـ . وقال : { لا يؤمن بيوم الحساب } لأنه إذا اجتمع في الرجل التجبُّر والتكذيب بالجزاء ، وقلة المبالاة بالعاقبة ، فقد استكمل أسباب القوة والجرأة على الله وعباده ، والعياذ بالله . الإشارة : قال القشيري : كان موسى عليه السلام أكرم خَلْقِه في وقته ، وكان فرعون أخَسّ خَلْقِه في وقته إذ لم يقل أحد : ما علمتُ لكم من إله غيري ، فأرسل أخصَّ عباده إلى أخسّ عباده . ثم إن فرعون سعى في قتل موسى ، واستعان على ذلك بخَيْله ورَجْله ، ولكن كما قال تعالى : { وما كيد الكافرين إلا في ضلال } ، وإذا حَفَرَ أحدٌ لِوَليِّ الله حُفرةً ، ما وقع فيها غيرُ حافِرها ، كذلك أجرى الحقُّ سُنَّتَه . هـ . ثم ذكر موعظة مؤمن آل فرعون لقومه ، فقال : { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ } .