Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 51-52)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّا لَننصرُ رُسُلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا } بالحجّة والظفر ، والانتقام لهم من الكفرة ، بالاستئصال ، والقتل ، والسبي ، وغير ذلك من العقوبات . ولا يقدح في ذلك ما يتفق لهم من صورة الغلبة ، امتحاناً إذ الحكم للغالب ، وهذا كقوله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا … } [ الصافات : 171 ] الآية ، وقوله : { كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } [ المجادلة : 21 ] . والنصر في الدنيا إما بالسيف ، في حق مَن أمر بالجهاد ، أو : بالحجة والإهلاك فيمن لم يؤثر به ، وبذلك يندفع قول مَن زعم تخصيص الآية أو تعميمها ، وإخراجَ زكريا ويحيى من الرسالة ، وإنْ ثبت لهما النبوة لقتلهما ، وأن الآية ، إنما تضمنت نصر الرسل دون الأنبياء ، فإنه خلاف لما صرّح به الجمهور من ثبوت الرسالة ليحيى ، ففي كلام ابن جزي هنا نظر . قاله المحشي . { ويومَ يقومُ الأشهادُ } أي : وننصرهم يوم القيامة ، عبَّر عنه بذلك للإشعار بكيفية النصرة ، وأنها تكون حين يجتمع الأولون والآخرون ، ويحضره الأشهاد من الملائكة وغيرهم ، فيشهدون للأنبياء بالتبليغ ، وعلى الكفرة بالتكذيب . قال النسفي : الأشهاد جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب ، يريد : الأنبياء والحفظة ، فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب ، والحفظة يشهدون على بني آدم . هـ . { يوم لا ينفعُ الظالمين معذرتُهم } : هو بدل من { يوم يقوم } أي : لا يقبل عذرهم ، ومَن قرأ بالتأنيث فباعتبار لفظ المعذرة ، { ولهم اللعنةُ } أي : البُعد من الرحمة ، { ولهم سوءُ الدار } أي : سوء دار الآخرة ، وهو عذابها . الأشارة : كما نُصرت الرسل بعد الامتحان ، نُصرت الأولياء بعد الامتحان والامتكان . قال الشاذلي رضي الله عنه : اللهم إنَّ القوم قد حكمت عليهم بالذُل ّ حتى عزوا … إلخ . وهم داخلون في قوله : { والذين آمنوا في الحياة الدنيا } ، ونصرتهم تكون أولاً بالظفر بنفوسهم ، ثم بالغيبة عن حس الكائنات ، باتساع دائرة المعاني ، ثم بالتصرف في الوجود بأسره بهمته . قال القشيري : ويقال : ينصرهم على أعدائهم بلطف خفيّ ، وكيد غير مرئيّ ، من حيث يحتسب أو لا يحتسب ، كما ينصرهم في الدنيا على تحقيق المعرفة ، واليقين بأنَّ الكائنات من الله . ثم قال : غاية النصرة أن يَقتُلَ الناصرُ عدوَّ مَنْ ينصره ، فإذا رآه حقق له أنه لا عَدُو له في الحقيقة ، وأنَّ الخلق أشباحٌ ، وتجري عليهم أحكام القدرة ، فالولِيُّ لا عدوَّ له ولا صديق ، ليس له إلا الله . قال الله تعالى : { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } [ البقرة : 257 ] هـ . والنصر في الحقيقة هو التأييد عند التعرفات ، فإذا ابتلي الرسول أو الولي أيّده الله باليقين ، ونصره بالمعرفة ، فيلقي ما ينزل عليه بالرضا والتسليم ، وتذكَّر ما لقي به الشاذلي حين دعا بالسلامة مما ابتلي به الرسل ، متعللاً بأنهم أقوى ، فقيل له : قل : وما أردتَ من شيء فأيِّدنا كما أيدتهم . هـ . ثم وعد نبيه بالنصر ، كما نصر موسى غيره ، فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } .