Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 53-56)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ولقد آتينا موسى الهدى } ما يهتدي به من المعجزات ، أو الشرائع والصُحف . { وأورثنا بني إِسرائيل الكتابَ } أي : تركنا فيهم التوراة ، يرثه بعضهم من بعض ، أو : جنس الكتاب ، فيصدق بالتوراة والإنجيل والزبور لأنَّ المنزَّل عليه منهم . قال الطيبي : فيه إشارة إلى أن ميراث الأنبياء ليس إلا العلم والكتاب الهادي ، الناطق بالحكمة والموعظة . هـ . حال كون الكتاب { هُدًى وذكرى } أي : هادياً ومُذكِّراً ، أو : إرشاداً وتذكرة { لأولي الألبابِ } لأولي العقول الصافية ، العالِمين بما فيه ، العاملين به . { فاصبرْ إِنَّ وَعْدَ الله حقٌّ } أي : فاصبر على ما يُجرّعك قومك من الغُصَص { إِنَّ وعد الله } بنصرك وإعلاء دينك ، على ما نطق به قوله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 173 ] ، { حقٌّ } لا يحتمل الاختلاف بحال . قال الطيبي : الآية تشير إلى نصره على أعدائه ، كموسى ، وأنه يظهر دينه على الدين كله ، ويورث كتابه ليعتصموا به ، فيكون لهم هُدًى وذكرى ، وعزّاً وشرفاً . هـ . أي : ولذلك قدّم ذكر موسى على بشارته بالنصر ليتم التشبيه . { واستغفر لذنبك } ، تشريعاً لأمتك فإِنَّ الاستغفار يمحو الذنوب التي تعوق عن النصر ، أو : تداركاً لِمَا فرط منك من ترك الأَوْلَى في بعض الأحايين ، فإِنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين . والحاصل : أن كل مقام له ذنب يليق به ، وهو التقصير في القيام به على ما يليق به ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كُلف بدوام الشهود ولو في حال التعليم ، فإذا غاب عن الحق لحظة بشغل البال بالتعليم ، كان في حقه نقصاً يُوجب الاستغفار . ثم قال : { وسبّحْ بحمد ربك بالعشيّ والإِبكار } أي : دُم على التسبيح ملتبساً بحمده ، أي : قل : سبحان الله وبحمده ، أو : صَلّ في هذين الوقتين ، إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وعشيّاً ، وقيل : هما صلاة العصر والفجر ، خصصهما لشرفهما . { إِنَّ الذين يُجادلون في آياتِ الله } ويجحدونها { بغير سُلطانٍ } برهان { أتاهُم } من جهته تعالى ، بل عناداً وحسداً . وتعليق المجادلة بذلك ، مع استحالة إتيانه للإيذان بأن التكلم في أمر الدين لا بد من استناده إلى برهان ، وهذا عام لكل مجادل ، محق أو مبطل ، وإن نزل في مشركي مكة . وقوله : { إِن في صُدورِهم إِلا كِبْرٌ } : خبر " إِنْ " ، أي : ما في قلوبهم إلا تكبُّر عن الحق ، وتعاظم عنه ، وهو إرادةُ التقدم والرئاسة ، وألا يكون أحدٌ فوقهم ، فلذلك عادوك ، ودفعوا آياتك ، خيفة أن تتقدمهم ، ويكونوا تحت قهرك لأن النبوة تحتها كُل ملك ورئاسة ، أو : إرادة أن تكون لهم النبوة دونك ، حسداً وبغياً ، كقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] . ثم وصف كِبْرَهم بقوله : { ما هم ببالغِيه } أي : ما هم ببالغي موجب ذلك الكبر ومقتضاه ، وهو ما أرادوه من التقدُّم والرئاسة ، وقيل : نزلت في اليهود ، وهم المجادلون ، كانوا يقولون : لست صاحبنا المذكور في التوراة ، بل هو المسيح ابن داود ، يعنون الدجال ، يخرج في آخر الزمان ، فيبلغ سلطانه البر والبحر ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله ، فيرجع إلينا المُلك فسمى الله تمنيهم بذلك كِبْراً ، ونفى أن يبلغوا متمناهم . { فاستعذ بالله } فالتجىء إليه من كبد مَن يحسدك ، ويبغي عليك ، { إِنه هو السميعُ } لِمَا تقول ويقولون ، { البصير } بما تعمل ويعملون ، فهو ناصرك عليهم ، وعاصمك من شرهم . الإشارة : فاصبر أيها المتوجه إلى الله ، إنَّ وعد الله بالفتح حق إن صبرت ، وكابدت ولم تملّ ، واستغفر لذنبك ، وتطهرْ من عيبك ، لتدخل حضرة ربك . قال الورتجبي : " واستغفر لذنبك " أي : لما جرى على قلبك من الأحكام البشرية ، وأيضاً : استغفر لرؤية وجودك في وجود الحق ، فإنَّ كون الحادث في وجود القديم ذنب في إفراد القدم من الحدوث . انظر تمامه . وقوله تعالى : { وسبّح … } الخ ، فيه الحث على التوجُّه إلى الله في هذين الوقتين ، فإن العبرة بالافتتاح والاختتام ، فمَن فتح يومه بخير ، وختمه بخير ، حكم على بينهما . وقال في أهل الإنكار : { إِن الذين يُجادلون في آيات الله … } الآية ، فاستعذ بالله منهم ، وغِبْ عنهم بإقبالك على مولاك . وبالله التوفيق . ولمَّا كانت مجادلة الكفرة في آيات الله مشتملة على إنكار البعث ، احتج عليهم بقوله : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } .