Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وقال ربُّكُم ادعوني } أي : اعبدوني { أَستجبْ لكم } أي : أثبكم ، ويدل على هذا قوله : { إِن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين } صاغرين أذلاء ، أو : اسألوني أعطكم ، على ما أريد ، في الوقت الذي أريد . قال القشيري : والحكمة في أنه أمر بالسؤال قبل الإجابة ، وبالاستغفار قبل المغفرة ، أنه حكم في اللوح أن يعطيك ذلك الشيء الذي تسأله وإن لم تسأل ، ولكن أمر بالسؤال ، حتى إذا وجدته تظن أنك وجدته بدعائك ، فتفرح به . قلت : السؤال سبب ، والأسباب غطى بها سر قدرته تعالى . ثم قال : ويقال : إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فما مِن مؤمنٍ يدعو الله ، ويسأله شيئاً ، إلا أعطاه إياه ، إما في الدنيا ، وإما في الآخرة . حيث يقال له : هذا ما طلَبْتَه في الدنيا ، وقد ادخرتُه لك إلى هذا اليوم ، حتى يَتَمنى العبدُ أنه لم يُعطَ شيئاً في الدنيا . هـ . قلت : فالدعاء كله إذاً مستجاب ، بوعد القرآن ، لكن منه ما يُعجّل ، ومنه ما يُؤجّل ، ومنه ما يصرف عنه به البلاء ، كما في الأثر ، وإذا فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار عنه منزلاً منزلة الاستكبار عن العبادة للمبالغة في الحث عليه . قال صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " وقرأ الآية ، وفي رواية : " مخ العبادة " ، وعن ابن عباس : " وحَدوني أغفر لكم " ، فسَّر الدعاء بالعبادة ، والعبادة بالتوحيد . الإشارة : اختلف الصوفية أيّ الحالين أفضل ؟ هل الدعاء والابتهال ، أو السكوت والرضا ؟ والمختار أن ينظر العبد ما يتجلّى فيه قلبه ، فإن انشرح للدعاء فهو في حقه أفضل ، وإن انقبض عنه ، فالسكوت أولى ، والغالب على أهل التحقيق من العارفين ، الغنى بالله ، والاكتفاء بعلمه ، كحال الخليل عليه السلام ، فإنهم إبراهيميون . قال الورتجبي : أي : ادعوني في زمن الدعاء الذي جعلته خاصّاً لإجابة الدعوة ، فادعوني في تلك الأوقات ، أستجب لكم فإنَّ وقوع الإجابة فيها حقيقة بلا شك ، ومَن لم يعرف أوقات الدعاء ، فدعاؤه ترك أدب فإن الدعاء في وقت الاستغفار من قلة معرفة المقامات ، فإن السلطان إذا كان غضبان لا يُسأل منه ، وإذا كان مستبشراً فيكون زمانه زمن العطاء والكرم . قلت : هذا في حق الخصوص ، الفاهمين عن الله ، وأما العموم ، فما يناسبهم إلا دوام الدعاء في الرخاء والشدة : قال تعالى : { فَلَوْلآ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } [ الأنعام : 43 ] ثم قال عن الورّاق : ادعوني على حد الاضطرار والالتجاء ، حيث لا يكون لكم مرجع إلى سواي ، أستجب لكم . هـ . ثم برهن على توحيده ، وأنه لا يصح الرجوع إلا إليه ، فقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } .