Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 66-68)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { قُل إِني نُهيتُ أن أعبدَ الذين تدعونَ } أي : تعبدون { من دون الله } ولم يكن عَبَدَها قط ، { لَمَّا جاءنيَ البيناتُ من ربي } من الحُجَج العقلية ، والآيات التنزيلية . قال الطيبي : معرفة الله تعالى ووحدانيته معلومتان بالعقل ، وقد ترد الأدلة العقلية في مضمون السمعية ، أما وجوب عبادة الله ، وتحريم عبادة الأصنام ، فحُكْمٌ شرعي لقوله : { قل إني نُهيت } أي : حَرُم عليّ ، وهذا إنما يتحقق بعد البعثة ، خلافاً للمعتزلة في الإيجاب قبل الشرع ، للتحسين والتقبيح ، والمعنى : أن قضية التقليد تُوجب ما أنتم عليه ، ولكني خُصصت بأمر دونكم ، كما قال إبراهيم : { يَآ أَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ … } [ مريم : 43 ] إلخ كلامه ، { وأُمرت أن أُسْلِمَ } ، أن أنقاد وأُخلص ديني { لربِّ العالمين } . { هو الذي خلقكم من ترابٍ } أي : أصلكم ، وأنتم في ضمنه ، { ثم من نطفةٍ } أي : ثم خلقكم خلقاً تفصيليّاً من نطفة تُمنى ، { ثم من علقةٍ ، ثم يُخرجكم طفلاً } أي : أطفالاً ، واقتصر على الواحدة لأن المرادَ الجنس ، { ثم لتبلغوا أشُدَّكم } : متعلق بمحذوف ، أي : ثم يُبقيكم لتبلغوا أشدَّكم ، وكذلك { ثم لتكونوا شُيوخاً } ، وقيل : عطف على محذوف ، عِلة ليُخرجكم ، فـ " يخرجكم " من عطف علة على أخرى ، كأنه قيل : ثم يخرجكم طفلاً لتكبروا شيئاً فشيئاً ، ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل ، ثم لتكونوا شيوخاً ، بكسر الشين وضمها جمع شيخ ، وقرىء " شيخاً " كقوله : " طفلاً " . { ومنكم مَن يُتوفى من قبلُ } عبارة تجري في الأدراج المذكورة ، فمِن الناس مَن يموت قبل أن يُخرج طفلاً ، وآخرون قبل الأشدّ ، وآخرون قبل الشيخوخة . { ولتبلغوا أجلاً مسمى } أي : وفعل ذلك لتبلغوا أجلاً مُسمى ، أي : ليبلغ كل واحد منكم أجلاً مسمى لا يتعداه ، وهو أجل موته ، { ولعلكم تعقلون } ولكي تعقلوا ما في ذلك من العِبَر ، والحجج ، وفنون الحِكَم فإنَّ ذلك التدريج البديع يقضي بالقدر السابق ، ونفوذ القدرة القاهرة لبُعد ذلك التفاوت ، والاختلاف العظيم ، عن الطبيعة والعلة ، وإنما موجب ذلك سبق الاختيار والمشيئة الأزلية ، ولذلك عقّبه بقوله : { هو الذي يُحيي ويُميتُ } دفعاً لما قد يُتوهم من كونه لم يذكر الفاعل في قوله { ومنكم مَن يُتوفى من قبل } أن ذلك من فساد مزاجه ، أو قتل غيره قبل أجله ، فرفع ذلك الإبهام بقوله : { هو الذي يُحيي ويُميت } لا غيره ، أي : يحيي الأموات ، ويميت الأحياء ، أو : يفعل الإحياء والإماتة ، { فإِذا قَضَى أمراً } أي : أراد أمراً من الأمور ، { فإِنما يقولُ له كن فيكون } من غير توقُّف على شيء من الأشياء أصلاً ، وهو تمثيل لتأثير قدرته تعالى في الأشياء عند تعلُّق إرادته بها ، وتصوير سرعة ترتُّب المكونات على تكوينه ، من غير أن يكون هناك أمر ولا مأمور . الإشارة : إذا دخل المريد مقامَ التجريد ، طالباً لأسرار التوحيد والتفريد ، وطلبه العامة بالرجوع للأسباب قبل التمكين ، يقول : { إِني نُهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله … } الآية . والبينات التي جاءته من ربه ، هو اليقين الكبير بأن الله يرزق أهلَ التقوى بغير أسباب ، لقوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 - 3 ] وفي هذا المعنى قال الغزالي رضي الله عنه : @ تَرَكْتُ لِلنَّاسِ دِينَهُم ودُنْيَاهُم شُغْلاً بِذِكْرِكَ يَا دِيني وَدُنْيَاي @@ قال القشيري : قل يا محمد : إِني نُهيت وأُمرتُ بالتبرِّي مما عبَدتم ، والإعراضِ عما به اشتغلتم ، والاستسلام للذي خَلَقني ، وبالنبوة خصّني . هـ . وكما تتربى النطفة الإنسانية في الرحم ، تتربى نطفة الإرادة وهي المعرفة العيانية في القلب ، فإذا عقد المريد نكاح الصُحبة مع الشيخ ، قذف في قلبه نطفة الإرادة ، فما زال يربيها له حتى يخرج عن حس دائرة الأكوان ، فهي ولادته طفلاً ، ثم لا يزال يحاذيه بهمته حتى يبلغ أشده ، وهو كماله ، ثم يكون شيخاً مريباً إن أَذِنَ له . والله تعالى أعلم . وفيما ذكر الحق تعالى من أطوار البشر ، شواهد ظاهرة ، دالة على إثبات البعث ، وإنكارُ ذلك والجدال فيه ، جهالة ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } .