Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 69-76)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { الذين يُجادلون } : بدل من الموصول قبله المجرور ، أو : رفع ، أو : نصب على الذم . يقول الحق جلّ جلاله : { أَلَمْ تَرَ إِلى الذين يُجادلون في آيات الله } ، كرر الحق تعالى الجدال في هذه السورة ثلاث مرات ، فإما أن يكون في ثلاث طوائف : الأول في قوم فرعون ، والثاني في اليهود ، والثالث في المشركين ، وإما للتأكيد ، أي : انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين في آيات الله الواضحة ، الموجبة للإيمان بها ، الزاجرة عن الجدال فيها ، { أَنَّى يُصْرَفُون } أي : كيف يُصرفون عنها ، مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها ، وانتفاء الصوارف عنها بالكلية . وهذا تعجيب من أحوالهم الركيكة ، وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن ، أو بسائر الكتب والشرائع ، كما أبانه بقوله : { الذي كذَّبوا بالكتاب } أي : بالقرآن ، أو : بجنس الكتب السماوية ، { وبما أرسلنا به رسلنا } من سائر الكتب ، أو : الوحي ، أو : الشرائع ، { فسوف يعلمون } عاقبة ما فعلوا من الجدال والتكذيب ، عند مشاهدتهم لأنواع العقوبات . { إِذِ الأغلالُ في أعناقهم } أي : سوف يعلمون حين تكون الأغلال في أعناقهم . و " إذ " : ظرف للماضي ، والمراد به هنا : الاستقبال لأن الأمور المستقبلة لَمّا كانت محققة الوقوع ، مقطوعاً بها ، عبّر بما كان ووُجد . { و } في أعناقهم أيضاً { السلاسلُ } . وفي تفسير ابن عرفة : ولا يجوز مثل ذلك في العقوبات الدنيوية ، وقياسه على العقوبات الأخروية خطأ ، وفاعله مخطىء غاية الخطأ ، ولم يذكر الأئمة في اعتقال المحبوس للقتل إلا أنه يجعل القيد من الحديد في رِجْلِه ، خيفة أن يهرب ، وأما عنقه فلا يُجعل فيه شيء . هـ . { يُسْحَبون في الحميم } أي : يُجرّون في الماء الحارّ ، وهو استئناف بياني ، كأن قائلاً قال : فماذا يكون حالهم بعد ذلك ؟ فقال : يُسحبون في الحميم ، { ثم في النار يُسْجَرُون } ويُحرقون ، من سَجَر التنّور : إذا ملأه بالوقود ، والمراد : أنهم يُعذبون بأنواع العذاب ، ويُنقلون من لون إلى لون . { ثم قيلَ لهم أين ما كنتم تُشركون من دون الله قالوا ضَلُّوا عنا } أي : غابوا ، وهذا قبل أن يُقرن بهم آلهتهم ، أو : ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم ، { بل لم نكن ندعو من قبلُ شيئاً } أي : تبيّن لنا أنهم لم يكونوا شيئاً . أو : يكون إنكاراً منهم ، كقولهم : { واللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . وهذا كله مستقبل عبّر عنه بالماضي لتحققه . { كذلك } أي : مثل ذلك الضلال الفظيع { يُضل الله الكافرين } حيث لا يهتدون إلى شيء ينفعهم في الآخرة ، أو : كما ضلّ عنهم آلهتهم يُضلهم الله عن آلهتهم ، حتى لو تطالبوا لم يتصادفوا . { ذلكم } الإضلال { بما كنتم تفرحون في الأرض } أي : تبطرون وتتكبرون { بغير الحق } ، بل بالشرك والطغيان ، { وبما كنتم تمرحون } تفخرون وتختالون ، أو : تتكبرون وتعجبون . والالتفات إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ . فيقال لهم : { ادْخُلوا أبوابَ جهنَّم } أي : أبوابها السبعة المقسومة عليكم { خالدين فيها } مقدّراً خلودكم فيها ، { فبئسَ مثوى المتكبرين } عن الحق ، والمخصوص محذوف ، أي : جهنّم . الإشارة : الأولياء العارفون أهل التربية الكاملة ، آية من آيات الله في كل زمان ، فيقال في حق مَن يُخاصم في وجوههم ، ويتنكّب عن صحبتهم : الذين يُجادلون في آيات الله أنَّى يُصرفون ؟ وهم الذين كذَّبوا بأسرار الكتاب ، وعلوم باطنه ، وبما أرسل به خلفاء الرسل ، ممن يغوص على تلك الأسرار ، فسوف يعلمون حين تخاطبهم أغلال الوساوس والخواطر ، وسلاسل العلائق والشواغل ، فيقبضهم عن النهوض إلى قضاء الشهود والعيان ، وجولان الفكرة في أنوار الملكوت وأسرار الجبروت ، يُسحبون في حرّ التدبير والاختيار ، ثم في نار القطيعة يُسْجَرون ، ثم قيل لهم إذا ماتوا : أين ما كنتم تُشركون في المحبة والميل من دون الله ؟ قالوا : ضلُّوا عنا ، وغاب عنهم كل ما تمتعوا به من الحظوظ والشهوات ، فيقال لهم : ذلكم بما كنتم تنبسطون في الدنيا في أنواع المآكل ، والمشارب ، والملابس ، والمناكح ، وبما كنتم تفتخرون على الناس ، فيخلدون في الحجاب ، إلا في وقت مخصوص . وبالله التوفيق . ثم أمر بالصبر وانتظار الفتح ، فقال : { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } .