Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 79-81)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { الله الذي جعل } خلق { لكم الأنعامَ } الإبل { لتركبوا منها ومنها تأكلون } أي : لتركبوا بعضها ، وتأكلوا بعضها ، وليس المراد : أن الركوب والأكل مختص ببعض معين منها ، بحيث لا يجوز تعلُّقه بالآخر ، بل على أن بعضاً منها صالح لكل منهما . { ولكم فيها منافعُ } أُخر غير الركوب ، كألبانها وأوبارها وجلودها ، { ولِتبلُغوا عليها حاجةً } أي : ما تحتاجون إليه من حمل أثقالكم من بلد إلى بلد ، { في صُدورِكمْ } في قلوبكم ، { وعليها وعلى الفلك تُحملون } أي : وعليها في البر ، وعلى الفلك في البحر تُحملون ، ولعل المراد به : حمل النساء والولدان عليها بالهودج ، وهو السر في فصله عن الركوب . والجمع بينها وبين الفلك في الحمل لِمَا بينهما من المناسبة ، حتى سُميت الإبل : سفائن البر . وقيل : المراد بالأنعام : الأزواج الثمانية ، على أن المعنى : لتركبوا بعضها ، وهي الإبل ، وتأكلوا بعضها ، وهي الغنم والبقر ، فذكر ما هُوَ الأهم من كلٍّ ، والمنافع تعم الكل ، وبلوغ الحاجة تعم الإبل والبقر . وقال الثعلبي : التقدير : لتركبوا منها بعضاً ، ومنها تأكلون ، فحذف " بعضاً " للعلم به . { ويُريكم آياته } دلائله الدالة على قدرته ووفور رحمته ، { فأيَّ آياتِ الله } أي : فأيّ آية من تلك الآيات الباهرة { تُنكرون } ؟ فإن كُلاًّ منها من الظهور بحيث لا يكاد يجترىء على إنكارها ، و " آيات " نصب بتنكرون ، وتذكير " أيّ " مع تأنيث المضاف إليه ، هو الشائع المستفيض ، والتأنيث قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات ، نحو : حمار وحمارة غريب ، وهي في " أيّ " أغرب لإبهامه . الإشارة : ما أعظم قدرك أيها الإنسان إن اتقيت الله ، وعرفت نعمه ، فقد سلّطك على ما في الكون بأسره ، الحيوانات تخدمك ، وتنتفع بها ، أكْلاً ، وركوباً ، وملبساً ، وحملاً ، والبحر يحملك ، والأرض تُقلك ، والسماء تُظلك ، وما قنع لك بالدنيا حتى ادخر لك الآخرة ، التي هي دار الدوام ، فإن شكرت هذه النعم فأنت أعز ما في الوجود ، وإن كفرتها فأنت أهون ما في الوجود . وبالله التوفيق . ولا تعرف حقائق النعم إلا بالتفكُّر ، ولذلك أمر به إثر ذكرها ، فقال : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } .