Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 13-18)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { وأما ثمود } ، قراءة الجماعة بالرفع ، غير مصروف ، إرادة القبيلة ، وقراءة الأعمش ويحيى بن وثاب مصروفاً ، إرادة الحي ، وقراءة ابن أبي إسحاق : بالنصب ، من باب الاشتغال ، وأصل الكلام : مهما يكن من شيء فثمود هديناهم ، فحُذف الملزوم الذي هو الشرط ، وأُقيم مقامه لازمه ، وهو الجزاء ، وأبقيت الفاء المؤذنه بأن ما بعدها لازم لما قبلها ، وإلا فليس هذا موضع الفاء لأن موضعه صدر الجزاء . انظر المُطوّل . يقول الحق جلّ جلاله : { فإِن أعرضُوا } عن الإيمان بعد هذا البيان { فقلْ } لهم : { أنذرتُكمْ } خوَّفتكم . وعبّر بالماضي للدلالة على تحقُّق الإنذار المنبىء عن تحقُّق الوقوع ، { صاعقةً } أي : عذاباً شديداً لو وقع كان كأنه صاعقة ، وأصلها : رعد معه نار تحرق . تكون { مثلَ صاعقةِ عادٍ وثمودَ } وقد تقدّم عذابهما . { إِذ جاءتْهُمُ } : ظرف لمحذوف ، أي : أنزلناها بهم حين جاءتهم { الرسلُ من بين أيديهم ومن خلفِهِم } أي : أتوهم من كل جانب ، وعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا الإعراض ، أو : جاءتهم الرسل قبلهم لآبائهم ، وبعدَهم لِمَن خلفهم ، أي : تواردت عليهم الرسل قديماً وحديثاً ، والمعهود إنما هو هود وصالح عليهما السلام وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله بمَنْ قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة ، { ألاَّ تعبدوا إِلا اللهَ } أي : بأن لا تعبدوا إلا الله ، على أنها مصدرية ، أو : لا تعبدوا ، على أنها مفسرة ، وقيل : مخففة ، أي : أنه لا تعبدوا إلا الله . { قالوا لو شاء ربُّنا لأنزل ملائكةً } أي : لو شاء إرسال الرسل لأرسل ملائكة ، ولَمَّا كان إرسالهم بطريق الإنزال عبَّر به ، { فإِنا بما أُرسلتُم به كافرون } أي : فحيث كنتم بشراً مثلنا ، ولم تكونوا ملائكة ، ولم يكن لكم فضل علينا ، فإنا لا نؤمن بكم ، ولا بما جئتم به ، وقولهم : { أُرسلتم به } ليس بإقرار بالإرسال ، وإنما هو على كلام الرسل ، وفيه تهكُّم ، كما قاله فرعون : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] وقولهم : { بما أرسلتم به كافرون } خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء ، الذين دعوا للإيمان . رُوي أن أبا جهل قال في ملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم لنا رجلاً عالماً بالشعر والكهانة ، فكَلَّمه ، ثم أتانا بالبيان من أمره ، فقال عُتبة بن ربيعة : والله لقد سمعتُ الشعر والكهانة والسحر ، وعلمتُ من ذلك علماً ما يخفى عليَّ ، فأتاه ، فقال : أنت يا محمد خير أم هاشم ؟ أنت يا محمد خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبمَ تشتم آلهتنا وتضللنا ؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء ، فكنت رئيسنا ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوةٍ من أيّ بنات قريش شئتَ ، وإن كان بك المال ، جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك . والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما فرغ عتبةُ ، قال صلى الله عليه وسلم : " { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم … } إلى قوله تعالى : { مثل صاعقة عاد وثمود } " ، فأمسك عتبة على فِيه النبيّ صلى الله عليه وسلم وناشده بالرحم ، فرجع عبتةُ إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش ، فلما احتبس عنهم ، قالوا : ما نرى عتبة إلا صبأ ، فانطلقوا ، وقالوا : يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد ، أم أنك أعجبك طعامه ؟ فغضب ، ثم قال لهم : لقد كلمته فأجابني بشيء ، والله ما هو شعر ، ولا كهانة ، ولا سحر ، ثم تلى عليهم ما سمع منه إلى قوله : { مثل صاعقة عاد وثمود } فأمسكتُ بفيه ، وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب ، فخفتُ أن ينزل بكم العذاب . هـ . ثم بيَّن ما ذكره من صاعقة عاد وثمود ، فقال : { فأما عاد فاستبكروا في الأرض بغير الحق } أي : تعاظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم ، وهو القوة ، وعظم الأجرام ، واستولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية ، { وقالوا مَن أشدُّ منا قوةً } ، كانوا ذوي أجسام طوال ، وخلْق عظيم ، بلغ من قوتهم أن الرجل كان يقلع الصخرة من الجبل بيده ، ويلوي الحديد بيده ، { أوَلَمْ يَرَوا } أي : أَوَلَم يعلموا علم عيان { أن الله الذي خلقهم هو أشَدُّ منهم قوةً } ؟ أوسعُ منهم قدرة لأنه قادر على كل شيء ، وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره ، { وكانوا بآياتنا } المنزلة على رسلهم { يجحدون } أي : ينكرونها وهم يعرفون حقِيتها ، كما يجحد المودَعُ الوديعة . و هم : عطف على فاستكبروا ، وما بينها اعتراض ، للرد على كلمتهم الشنعاء . { فأرسلنا عليهم ريحاً صَرْصَراً } أي : بارداً تهلك وتُحرق لشدة بردها ، من : الصر ، وهو البرد ، الذي يجمع ويقبض ، أو : عاصفة تصوّت في هبوبها ، من الصرير ، فضوعف ، كما يقال : نهنهت وكفكفت . { في أيام نَّحِساتٍ } مشؤومات عليهم ، من : نَحِس نحساً ، نقيض : سعد سعداً ، وكانت من الأربعاء آخر شوال إلى الأربعاء ، وما عُذِّب قوم إلا في الأربعاء . قيل : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ، ودامت الرياح عليهم من غير مطر . قيل : إذا أراد الله بقوم خيراً ، أرسل عليهم المطر ، وحبس عنهم كثرة الرياح ، وإذا أراد الله بقوم شرّاً ، حبس عنهم المطر ، وأرسل عليهم كثرة الرياح . هـ . { لنُذيقَهُمْ عذابَ الخزي في الحياة الدنيا } ، أضاف العذاب إلى الخزي ، وهو الذل ، على أنه وصف للعذاب ، كأنه قال : عذاب خزي ، ويدل عليه قوله : { ولعذابُ الآخرة أخزى } أي : أذل لصاحبه ، وهو في الحقيقة وصف للمعذَّب ، وُصف به العذاب للمبالغة ، كقولك : له شعر شاعر . { وهم لا يُنصَرُون } برفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه . { وأما ثمودُ فهديناهمْ } دللناهم على الرشد ، بنصب الآيات التكوينية ، وإرسال الرسل ، وإنزال الآيات التشريعية ، { فاستحبُّوا العَمَى على الهُدى } أي : اختاروا الضلالة على الهداية ، { فأخذتهم صاعقةُ العذابِ الهُون } أي : داهية العذاب الذي يهين صاحبه ويخزيه ، وهي الصيحة والرجفة ، والهُون : الهوان ، وصف به للمبالغة ، { بما كانوا يكسبون } أي : بكسبهم الخبيث من الشرك والمعاصي . قال الشيخ أبو منصور : يحتمل قوله : { فهديناهم } : بيَّنا لهم ، كما تقدّم ، ويحتمل : خلق الهداية في قلوبهم ، فصاروا مهتدين ، ثم كفروا بعد ذلك ، وعقروا الناقة ، لأن الهدي المضاف إلى الخالق يكون بمعنى البيان ، ويكون بخلق فعل الاهتداء ، وأما الهدي المضاف إلى الخلق فيكون بمعنى البيان ، لا غير . هـ . وقال الطيبي : قوله تعالى : { فهديناهم } هو كقوله تعالى : { إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ } [ فصلت : 14 ] . وقوله : { فاستحبوا العمى على الهدى } هو كقوله : { قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا … } [ فصلت : 14 ] الآية . وكذا في قوله : { فأما عاد فاستكبروا في الأرض } ، فإن الفاء في " فاستكبروا " فصيحة ، تُفصح عن محذوف ، أي : فهديناهم فاستكبروا بدلالة ما قيل في ثمود . هـ . { ونجينا الذين آمنوا } أي : اختاروا الهدى على العمى ، من تلك الصاعقة ، { وكانوا يتقون } الضلالة والتقليد . الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار ، ونأى عن صُحبة الأبرار فالصعقة لاحقة به ، إما في الدنيا أو في الآخرة . وقوله تعالى : { فأما عاد فاستكبروا … } الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف ، والذل ، والفقر ، والعجز ، فمَن خرج عن واحد منها ، فقد تعدّى طوره ، واستحقّ الهلاك والهوان ، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران . وقوله : { وأما ثمود فهديناهم } أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا ، على ألسنة الوسائط ، فحادُوا عنها ، واستحبُّوا العمى على الهدى حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل ، فالسوابق تُؤثر في العواقب ، والعواقب لا تؤثر في السوابق ، فكأن جبلة القوم الضلالة ، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة . وقوله تعالى : { ونجينا الذين آمنوا } أي : في الدنيا من الصاعقة ، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية . قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار ، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا ، وقومٌ كالبرق الخاطف ، وهم أعلاهم قلت : بل أعلاهم كالطرف ثم قال : وقوم كالرواكض ، وهم أيضاً الأكابر ، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط ، فبَعُدوا . ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار ، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه ، ثم إلى ركبتيه ، ثم إلى حَقْوَيْه ، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه ، فإنه محترقُ بي . وقوم يخرجون من النار بعدما أمْتُحِشُوا فصاروا حُمَماً . هـ منه . ثم ذكر وعيد أهل الشرك ، فقال : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ } .