Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { فلذلك فادْعُ } أي : فلأجل ذلك التفرُّق ، ولما حدث بسببه من تشعُّب الكفر شعباً ، فادع إلى الاتفاق والائتلاف على الملّة الحنيفيّة القيّمة ، { واستقِمْ } عليها ، وعلى الدعوة إليها { كما أُمرتَ } كما أمرك الله . أو : لأجل ما شرع لكم من الدين القويم القديم ، الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون ، فادع الناس كافة إلى إقامته ، والعمل بموجبه فإن كلاًّ من تفرقهم وشكِّهم ، سبب للدعوة إليه والأمر بها ، أو : فإلى ذلك الدين المشروع فادع ، واستقم عليه ، وعلى الدعوة إليه ، كما أُمرت وأوحي إليك . { ولا تتبع أهواءهم } الباطلة ، وعقائدهم الزائغة ، { وقل آمنتُ بما أنزلَ اللهُ من كتاب } أيّ كتاب كان من الكتب المنزلة ، لا كالذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وهم أهل الكتاب ، { أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً } [ النساء : 151 ] ، وفيه تحقيق للحق ، وبيان لاتفاق الكتب في الأصول ، وتأليف لقلوب أهل الكتابين ، وتعريض بهم . { وأُمرتُ لأعْدِلَ بينكم } في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ ، أو : في تبليغ الشرائع والأحكام ، لا أخص بعضاً دون بعض ، أو : لأُسوِّي بيني وبينكم ، ولا آمركم بما لا أعملُ به ، ولا أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه . أو : لا أفرق بين أكابركم وأصاغركم . واللام : إما على حقيقتها ، أي : أمرت بذلك لأعدل ، أو : زائدة ، أي : أمرت أن أعدل بينكم . { اللهُ ربُّنا وربُّكم } خالقنا جميعاً ، ومتولي أمورنا ، كلنا عبيده ، { لنا أعمالنا } لا يتخطانا ثوابها أو عقابها ، { ولكم أعمالكم } لا يجاوزكم وبالها إلى غيركم ، أو : لنا ديننا التوحيد ، ولكم دينكم الشرك . { لا حُجةَ بيننا وبينكم } أي : لا خصومة لأن الحق قد وضح ، ولم يبق للمحاجّاة حاجة ، ولا للفصاحة محل ، سوى المكابرة . { اللهُ يجمع بيننا } يوم القيامة { وإِليه المصيرُ } المرجع ، فيظهر هناك حالنا وحالكم . وهذه محاججة ، لا متاركة ، فلا نسخ فيها . { والذين يُحاجُّون في الله } يُخاصمون في دينه { من بعد ما اسْتُجيبَ له } من بعد ما استجاب له الناس ، ودخلوا فيه ، ليردّوهم إلى دين الجاهلية ، كقوله : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً … } [ البقرة : 109 ] ، والتعبير عن ذلك بالاستجابة باعتبار دعوتهم إليه ، أو : من بعد ما استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأيّده بنصره ، كيوم بدر ، أو : من بعد ما استجاب له أهل الكتاب ، بأن أقرُّوا بنعوته صلى الله عليه وسلم ، واستفتحوا به قبل مبعثه . وذلك أن اليهود والنصارى كانوا يقولون للمؤمنين : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن خيرٌ منكم ، فنزلت : { والذين يُحاجون … } الآية . { حُجتُهم داحضةٌ } باطلة ، { عند ربهم } ، وإذا كانت داحضة من حيث كونه ربّاً رؤوفاً فأحرى من حيث كونه قاهراً منتقماً . وسمّاها حُجة ، وإن كانت شُبهة لزعمهم أنها حُجة . { وعليهم غَضَبٌ } عظيم ، لمكابرتهم الحق بعد ظهوره { ولهم عذاب شديدٌ } لا يُقادر قدره . الإشارة : إذا استولت الغفلة على الناس ، وتفرّقت القلوب ، يجب على أهل البصيرة النافذة أن يتحركوا لوعظ الناس وتذكيرهم ، ولا يلتفتون إلى أهوائهم ، وما هو مشغوفون به من حظوظهم . قال تعالى : { فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم } فتدعون الناس إلى التوحيد ، وإقامة الشرائع ، بامتثال الأوامر ، واجتناب المناكر ، ثم يدسونهم إلى حضرة الحق ، إن رأوا منهم مَن هو أهله ، فمَن فعل هذا كان قدره عند الله عظيماً ، وجاهه كبيراً . وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفس محمد بيده إن شئتم لأُقسمنّ لكم : إِنَّ أحب عبادِ الله إلى الله الذين يُحببون الله إلى عباده ، ويُحببون عباد الله إلى الله ، ويمشون في الأرض بالنصيحة " . ومن وظيفته أن يقول : آمنتُ بما أنزل الله من كتاب ، وما بعث من نبي ووليّ ، وأمُرتُ لأعدل بينكم في الوعظ ، والنصيحة ، وإمداد المدد ، لكن يأخذ كل واحد على قدر صدقه وتعظيمه ، ثم يقول : { الله ربنا وربكم } ، يخص برحمته مَن يشاء ، لنا أعمالنا : ما يليق بنا من عبادة القلوب ، ولكم أعمالكم : ما تطيقونه من عبادة الجوارح ، لا خصومة بيننا وبينكم لأن قلوبنا سالمة لكم . الله يجمعُ بيننا وبينكم في الدنيا بجمع متصل ، وإليه مصير الكل بالموت والفناء . والذين يُحاجون في الله ، أي : يخاصمون في طريق الله ، ويقولون : انقطعت التربية ، حُجتهم داحضة ، وعليهم غضب البُعد ، ولهم عذاب الكدّ والتعب . ثم حضَّ على التمسُّك بكتابه لأنه جامع لما أنزل الله من كتاب ، فقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } .