Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 15-19)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وجعلوا } أي : المشركين { له من عباده جُزْءاً } حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، فجعلوهم جزءاً له ، وبعضاً منه ، كما يكون الولد لوالده جزءاً . وهذا متصل بقوله { ولئن سألتهم … } الخ ، أي : ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض لَيَعترفن به ، وقد جعلوا له سبحانه بألسنتهم ، واعتقادهم مع ذلك الاعتراف ، من عباده جُزءاً ، وعبَّر بالجزء لمزيد استحالته في حق الواحد الأحد ، من جميع الجهات . وقرأ أبو بكر وحماد بضمتين . { إنَّ الإِنسانَ لكفور مبين } لَجَحود للنعمة ، ظاهر الكفران ، مبالغ فيه لأن نسبة الولد إليه أشنع الكفر . والكفر أصل الكفران كله . ثم ردّ عليهم بقوله : { أمِ اتخذَ مما يخلُق بناتٍ وأصْفَاكم بالبنينَ } ، الهمزة للإنكار ، تجهيلاً وتعجيباً من شأنهم ، حيث ادَعوا أنه اختار لنفسه أخس الأشياء ، ولهم الأعلى ، أي : بل اتخذ لنفسه أخس الصنفين ، واختار لكم أفضلهما ؟ على معنى : هَبُوا أنكم اجترأتم إضافة جنس الولد إليه سبحانه ، مع استحالته وامتناعه ، أمَا كان لكم شيء من العقل ، ونبذة من الحياء ، حتى اجترأتم على التفوُّه بهذه العظيمة ، الخارقة للمعقول ، من ادعاء أنه تعالى آثركم على نفسه بخير الصنفين وأعلاهما ، وترك له شرهما وأدناهما ؟ وتنكير " بنات " ، وتعريف " البنين " لما اعتبر فيهما من الحقارة والفخامة . وجملة : { وأصفاكم } : إما عطف على { اتخذ } ، داخل في حكم التعجيب والإنكار ، أو : حال من فاعله ، بإضمار قد ، أو : بدونه ، على الخلاف . والالتفات إلى الخطاب لتأكيد الإجرام وتشديد التوبيخ . ثم قرّره بقوله : { وإِذا بُشِّر أحدُهُم بما ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً } أي : وإذا أُخبر أحدُهم بولاده ما جُعل مثلاً له سبحانه ، وهي الأنثى ، لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله ، وجزءاً منه إذ الولد لا بد أن يُجانس الوالِد ويشابهه . { ظَلَّ وجهُهُ مُسوداً وهو كظيمٌ } يعني : أنهم نسبوا إليه هذا الجنس ، ومِن حالهم : أن أحدهم إذا قيل له : قد وُلدت لك بنت ، اغتمّ ، واربدّ وجهه غيظاً وتأسُّفاً ، وهو مملوءٌ من الكرب . والظلول : بمعنى الصيرورة ، أي : صار أسود في الغاية من سوء ما بُشر به . { أوَ مَن ينشأ في الحِلْيةِ وهو في الخصام غير مُبينٍ } أي : أو يَجْعَلُ للرحمن من الولد مَن هذه الصفة المذمومة صفته ، وهو أنه ينشأ في الحلية ، أي : يتربّى في الزينة والتخنُّث ، وإذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ، ومجاراة الرجال ، كان غير مبين ، ليس عنده بيان ، ولا يأتي ببرهان لضعف عقولهن . قال مقاتل : لا تتكلم المرأة إلا وتأتي بالحجة عليها - أي : في الغالب - وفيه : أنه جعل النشأة في الزينة من المعايب . فعلى الرجل أن يجتنبَ ذلك ، له ولأولاده ، ويتزين بلباس التقوى . و " مَنْ " منصوب المحل ، أي : أوَ جعلوا مَن يربى في الحلية - يعني البنات - لله عزّ وجل . وقرأ الأخَوان وحفص " يُنشَّأُ " أي : يُربّى . { وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إِناثاً } أي : اعتقدوا الملائكة وسموهم إناثاً . وهو بيان لتضمُّن كفرهم كفراً آخر ، وتقريع لهم بذلك وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله - عزّ وجل - أنقصهم رأياً . والعندية عندية منزلة ومكانة ، لا مكان . ومَن قرأ " عبِاد " فجمع " عبد " ، وهو ألزم في الاحتجاج مع أهل العناد لتضاد العبودية والولادة . { أَشَهِدوا خلقَهم } أي : أَحضروا خلقهم ، فشاهدوا الله حين خلقهم إناثاً حتى يحكموا بأنوثتهم ، فإنّ ذلك لا يُعلم إلا بالمشاهدة ، وهو تجهيل لهم ، وتهكُّم بهم . وقرأ نافع بهمزتين ، أي : أاحضروا خلقهم . { ستُكتبُ شهادتُهم } التي شهدوا بها على الملائكة من أنهم إناث ، في ديوان أعمالهم . { ويسألونَ } عنها يوم القيامة ، وقرئ : شهاداتهم وهي قولهم : إن لله جزءاً من خلقه ، وإن لله بنات ، وأنها الملائكة . الإشارة : وجعلوا له من عباده جزءاً ، أشركوا في المحبة معه غيره ، والمطلوب : إفراد المحبة للمحبوب ، فلا يُجب معه شيئاً . إن الإنسان لكفور مبين ، حيث علم أن الحبيب الذي أنعم عليه واحد ، وأنه غيور ، لا يرضى لعبده أن يُحب معه غيره . قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته . هـ . أي : جعلوا له جزءاً من عين الفرق ، ولو نظرا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت . وفي الآية تحذير من كراهية البنات ، حيث جعله من نعت أهل الكفر . ثم أبطل شبهتهم ، فقال : { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } .