Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 20-25)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وقالوا لو شاء الرحمنُ } عدم عبادتنا للملائكة { ما عبدناهم } ، أرادوا بذلك بيان أن ما فعلوه مَرْضِي عنده تعالى ، ولولا ذلك ما خلّى بينهم وبينها ، ويُجاب : بأنه تعالى قد يخلي بين العبد ومعصيته ، لينفذ فيه ما سبق من درك الوعيد . وتعلقت المعتزلة بظاهر الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكفار ، وإنما شاء الإيمان ، فإنّ الكفار ادّعوا أن الله شاء منهم الكفر ، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام ، حيث قالوا : { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } أي : لو شاء بنا أن نترك عبادة الأصنام لمَنَعَنَا عن عبادتها ، لكنه لم يشأ ذلك . والله تعالى ردّ عليهم قولهم ، واعتقادهم ، بقوله : { ما لهم بذلك } القول { من علم إِن هم إِلا يَخْرُصُون } : يكذبون ، ومعنى الآية عندنا : أنهم أرادوا بالمشيئة : الرضا ، وقالوا : لو لم يرضَ بذلك لعجّل عقوبتنا ، ولمَنعنا من عبادتها مع قهر واضطرار ، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك ، فردَّ الله عليهم بقوله : { ما لهم بذلك من علم … } الآية . أو : قالوا هذا القول استهزاء ، لا جدّاً واعتقاداً ، فأكذبهم وجهّلهم حيث لم يقولوه اعتقاداً ، كما قالوا : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] . وهذا كلام حق أرادوا به باطلاً : انظر النسفي . قلت : ما تمسّكوا به من قوله : { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } من الاحتجاج بالقدر ، وهو لا ينفع هذه الدار ، لأنه من التمسُّك بالحقيقة الخالية عن الشريعة ، وهي بطالة وزندقة ، ولذلك ردّهم الله تعالى إلى التمسُّك بالشريعة بقوله : { أم آتيناهم كتاباً مِن قبله } من قبل القرآن ، أو : من قبل ادعائهم ذلك ، ينطق بصحة ما يدّعونه ، { فهم به مسْتَمْسِكون } آخذون . { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أُمّةٍ } على دين وقلّدناهم . والأمّة في الأصل : الطريقة التي تؤمّ وتُقصد { وإِنا على آثارهم مُقتدون } أي : لم يأتوا بحجة نقلية ولا عقلية ، ولا سند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم . والظرف : صلة لمهتدون ، أو : هما خبران . { وكذلك ما أرسنا من قبلك في قريةٍ من نذيرٍ } من نبيّ { إِلا قال مُترفوها } أي : منغّموها ، وهم الذين أترفتهم النعمة ، أي : أبطرتهم ، فلا يُحبون إلا الشهوات والملاهي ، ويعافون مشاقَّ الدين وتكاليفه ، قالوا : { إِنا وجدنا آباءنا على أُمةٍ وإِنا على آثارهم مقتدون } ، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وبيان أن التقليد فيهم ضلالٌ قديم . وتخصيص المترفين بتلك المقالة للإذيان بأن التنعُّم بالشهوات ، وحب البطالة ، هو الذي صرفهم عن النظر إلى التقليد . { قُلْ } ، هو حكاية لما جرى بين المنذرين وبين أممهم ، عند تعللهم بتقليد آبائهم ، أي : قيل لكل نذير وأوحي إليه : أن قُلْ ، وليس خطاباً لنبينا - عليه الصلاة والسلام - بدليل ما بعده من قوله : { قالوا . … } الخ . وقيل : خطاب له عليه الصلاة والسلام ، فتكون الجملة معترضة بين قصة المتقدمين لأن قوله : " قالوا " راجع للمتقدمين ، وقرأ الشامي وحفص : { قال } أي : النذير : { أوَ لَو جئتُكُم } أي : أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم { بأهدى } بدين أهدى { مما وجدتم عليه آباءكم } من الضلالة التي ليست من الهداية في شيء ؟ { قالوا إِنا بما أُرسلتم به كافرون } أي : قالت كل أمة لنذيرها : إنا ثابتون على ديننا ، وإن جئتمونا بما هو أهدى وأهدى . وقد أجمل عند الحكاية للإيجاز ، كقوله : { يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } [ المؤمنون : 51 ] . { فانتقمنا منهم } فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم ، { فانظر كيف كان عاقبةُ المكذِّبين } من الأمم المذكورين ، فلا تكترث قومك . والله تعالى أعلم . الإشارة : وقالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، تمسّكوا بالحقيقة الظلمانية ، الخالية عن التشريع ، وهو كفر وزندقة ، ولذلك ردّ الله عليهم بقوله : { أم آتيناهم كتاباً … } الخ ، وترى كثيراً ممن خذله الله يقول : لو أراد الله هدايتي لهداني ، ولا ينفع ذلك في هذه الدار ، التي هي التكليف ، بل يجب عليه النهوض ، والقصد إلى أمر الله به ، من حقوق العبودية ، فإن منعته الأقدار فلينظر إلى الواحد القهّار ، وإلا فالشقاء لازم له . وقد قالوا : مَن تحقق ولم يتشرّع فقد تزنذق ، ومَن تشرَع ولم يتحقق فقد تفسّق ، ومَن جمع بينهما فقد تحقّق . فالواجب : النظر إلى تصريف الحقيقة في الباطن ، والتمسُّك بالشريعة في الظاهر . وبالله التوفيق . وقوله تعالى : { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة … } الآية ، فيه توبيخ لمَن تجمّد على تقليد أسلافه ، وقد ظهر مَن هو أهدى منهم ، ففيه نزعة جاهلية ، وحمية من حميتهم . ثم برهن على بطلان التقليد الرديء ، فقال : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } .