Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 43-45)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جّل جلاله : { فاستمسكْ } أي : تمسّك { بالذي أُوحِيَ إِليك } من الآيات والشرائع ، واعمل بذلك ، سواء عجلنا لك الموعد أو أخرناه ، { إِنك على صراطٍ مستقيم } على دين قَيم لا عوجَ فيه ، وهو تعليل للأمر بالاستمساك . { وإِنه } أي : ما أُوحي إليك { لَذِكرّ } لشرف عظيم { لك ولقومك } ولأمتك ، أو : لقومك من قريش ، فما زال العز فيهم ، والشرف لهم ، من زمانه صلى الله عليه وسلم إلى قرب الساعة . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يزال هذا الشأن في قريش ما بقيّ منه اثنان " وفي رواية : " لا يزال هذا الأمر في قريش ، لا يُعاديهم أحد إلا كُبّ على وجهه بمكة ، ويعدهم الظهور ، فإذا قالوا : لِمن الملك بعدك ؟ أسمك فلم يجبهم ، حتى نزلت : { وإنه لذكر لك ولقومك } فكان بعد ذلك إذا سئل قال : " لقريش " فلا يُجيبونه ، فقبلته الأنصار على ذلك . أو : وإنه لموعظة لك ولأمتك بأجمعها . { وسوف تسألون } يوم القيامة عن شكركم هذه النعمة ، أو : عما أوحي إليه ، وعن قيامكم بحقوقه ، وعن تعظيمكم له . { واسْأَلْ من أرسلنا مِن قبلك مِن رسلنا أجعلنا من دون الله آلهةً يُعبدون } ، فليس المراد سؤال الرسل حقيقة ، ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مِللهم ، هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء ؟ وكفاه نظراً وفحصاً نظره في كتاب الله المعجز ، المصدق لما بين يديه . وإخبارُ الله فيه بأنهم إنما يعبدون من دون الله ما لم يُنزل به سلطاناً . وهذه الآيةُ في نفسها كافية ، لا حاجة إلى غيرها . وقيل إنه صلى الله عليه وسلم جُمع له الأنبياء - عليهم السلام - وقيل له : سلهم ، وهو ضعيف . وقيل معناه : سل أمم مَن أرسلنا ، وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل ، وإنما يخبرونه عن كتب الرسل ، فإذا سألهم فأكنما سأل الأنبياء ، ومعنى هذا السؤال : التنبيه على بطلان عبادة الأوثان ، والاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد ، وأنه ليس ببدع ابتدعه حتى ينكر ويعادي : وقيل : الخطاب له ، والمراد غيره ممن يرتاب . والله تعالى أعلم . الإشارة : الاستمساك بالوحي كان حاصلاً له صلى الله عليه وسلم ، وإنما المراد الثبوت على ما هو حاصل ، والاسترشاد إلى ما ليس بحاصل ، فالمراد الترقي في زيادة العلم ، والكشف إلى غير نهاية ، كقوله : { اهدنا الصراط المستقيم } ، فالترقي لا ينقطع لمَن تمسك بالوحي التمسُّك الحقيقي ، بحيث كُشِف له عن غوامض أسرار القرآن ، وزال الحجاب بينه وبين الله تعالى ، فهو دائماً في زيادة العلم والكشف ، إلى ما لا نهاية له . وهذا هو الشرف العظيم في الدارين . فمَن لم يشكره سُئل عنه ، أو سُلب منه في الدنيا . ثم إن التوحيد في الذات والصفات والأفعال مما أجمعت عليه الملل ، وكل داعٍ إنما يدعو إليه ، وكل شيخ مربي إنما يُوصل إليه ، ومَن لم يُوصل إليه أصحابه فهو دجّال . وبالله التوفيق . ثم سلّى رسوله بقوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } .