Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-50)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } أي : متلبساً بآياتنا { إِلى فرعون وملَئِه فقال إِني رسولُ رب العالمين } فأجابوه بقولهم : { فأتنا بآية إن كنت من الصادقين } كما صرّح به في آية أخرى . { فلما جاءهم بآياتنا إِذا هم منها يضحكون } يسخرون منها ، ويهزؤون ، ويسمُّونها سحراً . و " إذا " للمفاجأة ، وهو جواب " لمّا " ، لأن فعل المفاجأة معها مقدّر ، وهو العامل في " إذا " ، أي : لما جاءهم فاجؤوا وقت ضحكهم منها ، أي : استهزؤوا بها أول ما رأوها ، ولم يتأملوا فيها . { وما نُرِيهم من آيةٍ } من الآيات { إِلا هي أكْبرُ من أُختها } قرينتها ، وصاحبتها التي كانت قبلها ، أي : ما ظهر لهم آية إلا وهي بالغة أقصى مراتب الإعجاز ، بحيث يجزم كل مَن ينظر إليها أنها أكبر من كل ما يُقاس بها من الآيات . والمراد : وصف الكل بغاية الكِبرَ من غير ملاحظة قصور في شيء منها ، قال النسفي : وظاهر النظم يدلّ على أن اللاحقة أعظم من السابقة ، وليس كذلك ، بل المراد بهذا الكلام : أنهن موصوفات بالكبر ، كما يقال : هما أخوان ، كلّ منهما أكبر من الآخر . هـ . وقال في الانتصاف : الظاهر : أن كل آية إذا أُفردت استغرقت الفكر وبهرته ، حتى يجزم أنها النهاية ، وأنَّ كل آية دونها ، فإذا نقل الفكر إلى الأخرى كانت كذلك . وحاصله : أنه لا يقدر الفكر أن يجمع بين آيتين ، لتتميز الفاضلة من المفضولة . هـ . { وأخذناهم بالعذاب } وهو ما قال تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ } [ الأعراف : 130 ] ، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ … } [ الأعراف : 133 ] الآية . { لعلهم يرجعون } لكي يرجعوا عما هم عليه من الضلال . { وقالوا يا أيُّه الساحِرُ } ، كانوا يقولون للعالِم : إنما هو ساحر لتعظيمهم علم السحر ، أو : نادوه بذلك في مثل تلك الحالة لغاية عتوهم ونهاية حماقتهم وقرأ الشامي بضم الهاء ، لاتباع حركة ما قبلها حين سقطت الألف ، { ادْعُ لنا ربك } يكشف عنا العذاب { بما عَهِدَ عندك } أي : لعهده عندك بأن دعوتك مستجابة ، أو : بما عهد عندك من النبوة والجاه ، أو : بما عهد من كشف العذاب عمن اهتدى ، { إِننا لمهتدون } مؤمنون أن كشف عنا بدعوتك ، كقوله : { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } [ الأعراف : 134 ] ، { فلما كشفنا عنهم العذاب } بدعوته { إِذا هم يَنكُثُون } ينقضون العهد ، أي : فاجؤوا وقت نكث عهدهم بالاهتداء . وقد مرَّ تمامه في الأعراف . الإشارة : قد ظهرت الآيات على الأنبياء والرسل ، فلم ينتفع بها إلا مَن سبقت له العناية ، وكذلك ظهرت الكرامات على أيدي الأولياء الداعين إلى الله ، فلم ينتفع بها إلا مَن سبق له التقريب والاصطفاء . على أن الصادق في الطلب لا يحتاج إلى ظهور كرامة ، بل إذا أراد الله أن يوصله إليه وصله إلى وَليّ من أوليائه ، فطوى عنه وجود بشريته ، وأشهده سر خصوصيته ، فخصع له من غير توقف على كرامة ولا آية . وأما مَن لم يسبق له التقريب إذا رأى ألف آية ضحك منها واستهزأ ، ورماها بالسحر والشعوذة ، والعياذ بالله من البُعد والطرد . ثم ذكر عتو فرعون وطغيانه ، فقال : { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } .