Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 51-56)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ونادى فرعونُ } ، إما بنفسه ، أو : أمر مَن ينادي ، كقولك : قطع الأميرُ اللصّ . والظاهر أنه نادى بنفسه ، { في قومه } في مجمعهم وفيما بينهم ، بعد أن كشف العذاب عنهم ، مخافة أن يؤمنوا ، { قال يا قوم أليس لي مُلكُ مِصرَ وهذه الأنهارُ } أنهار النيل ، ومعظمها أربعة : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تييس ، { تجري من تحتي } تحت سريري لارتفاعه ، أو : بين يدي في جناتي وبساتيني . قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : نيل مصر سيد الأنهار ، سخّر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب ، فإذا أراد الله أن يجريه أمر الأنهار فأمدته بمائها ، وفجّر له كل نهر عيوناً ، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله سبحانه أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره . قاله في الاكتفاء . ومهبطه من جبل القمر ، وقيل : أصله من الجنة ، والله تعالى أعلم . وحدُّ مصر : من بحر الإسكندرية إلى أسوان ، بطول النيل . والأنهار المذكورة هي الخلجان الكبار ، الخارجة من النيل . وعن عبد الله بن طاهر : أنه لما ولي مصر خرج إليها ، فلما شارفها ، قال : أهي القرية التي افتخر بها فرعون ، حتى قال : { أليس لي ملك مصر } ؟ والله لهي أقلّ عندي من أن أدخلها ، فثنى عنانه . وعن هارون الرشيد : أنه لما قرأها ، قال : والله لأولينّها أخسَّ عبيدي ، فولاها الخُصَيْب ، وكان خادم وُضوئه . { وهذه الأنهارُ } : إما عطف على " ملك مصر " ، فـ " تجري " : حال منها ، أو : واو الحال ، فـ " هذه " مبتدأ ، و " الأنهار " : صفتها و " تجري " : خبر ، { أفلا تُبصرون } قوتي وسلطاني ، مع ضعف موسى وقلة أتباعه . أراد بذلك استعظام ملكه وترغيب الناس في اتباعه . ثم قال : { أم أنا خير } مع هذه المملكة والبسْطة { مِن هذا الذي هو مَهينٌ } أي : ضعيف حقير ، من : المهانة ، وهي القلة . { ولا يكاد يُبينُ } الكلام لما به من اللثة . قاله افتراء عليه عليه السلام ، وتنقيصاً له في أعين الناس ، باعتبار ما كان في لسانه عليه السلام . وقد كانت ذهبت عنه ، لقوله تعالى : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُوؤْلَكَ يَا مُوسَى } [ طه : 36 ] . والهمزة للتقرير ، كأنه قال إثر ما عدّد من أسباب فضله ، ومبادئ خيريته : أثبت عندكم واستقر لديكم أني أنا خير ، وهذه حال ، مِن هذا . وإما متصلة ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون ؟ فوضع قوله : { أما أنا خير } موضع " تُبصرون " لأنهم إذا قالوا : أنت خير فهم عنده بُصَراء . وهذا من باب تنزيل السبب منزلة المسبب . انظر أبا المسعود . { فلولا أُلْقِيَ عليه أسَاوره من ذهب } أي : فهلاَّ أُلقي عليه مقاليد الملك إن كان صادقاً ، لأنهم كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار ، وطوّقوه بطوق من ذهب . { أو جاء معه الملائكةُ مقترنين } مقرونين يمشون معه ، مقترن بعضهم ببعض ، ليكونوا أعضاده وأنصاره ، أو : ليشهدوا له بالنبوة ؟ { فاستخف قومَهُ } أي : فاستفزهم ، وطلب منهم الخفة والسرعة في مطاوعته . أو : فاستخف أحلامهم واستزلهم ، { فأطاعوه } فيما أمرهم به { إِنهم كانوا قوماً فاسقين } ، خارجين عن الدين ، فلذلك سارعوا إلى طاعته . { فلما آسَفُونا } أغضبونا أشد الغضب ، منقول من : أَسف : إذ اشتد غضبه ، { انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين } ، والمعنى : أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن نُعجِّل لهم العذاب ، وألا نحلُم عليهم . { فجعلناهم سَلَفاً } قدوة لمَن بعدهم من الكفار ، يسلكون مسلكهم في استيجاب مثل ما حلّ بهم من العذاب ، فكل مَن تفرعن وتجبّر ففرعون إمامه وقدوته . أو : جعلناهم متقدمين في الهلاك ، ليتعظ بهم مَن بعدهم إلى يوم القيامة . والسلف : جمع سالف ، وهو الفارط المتقدم ، { ومثلاً للآخِرين } أي : عظةً لهم ، أو : قصة عجيبة ، تسير مسير الأمثال ، فيقال : مثلكم كقوم فرعون ، كما قال تعالى : { كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ } [ آل عمران : 11 ] . وهاهنا قراءات ، قد وجَهناها في كتاب مستقل . الإشارة : عاقبة التكبُّر والافتخار الذُّل والهوان والدمار ، وعاقبة التواضع والانكسار العزُّ والنصرة ، انظر إلى فرعون لما تعزّز واستكبر هلك مع قومه في لُجة البحار . قال القشيري : ليعلم أن مَن تعزّز بشيء دون الله فهلاكه وحتْفه فيه ، وفرعون لمَّا استصغر موسى وحديثه ، وعابَه بالفقر ، سلَّطه الله عليه ، فكان هلاكه بيده ، وما استصغر أحدٌ أحداً إلا سُلط عليه . ثم قال في قوله تعالى : { فاستخف قومه فأطاعوه } : طاعةٌ الرهبة لا تكون مخلصةً ، وإنما تكون الطاعةُ صادقةً إذا صَدَرَتْ عن الرغبة ، { فلما آسفونا } أغضبونا ، وإنما أراد : أغضبوا أولياءنا ، وهذا أصل في باب الجمع ، أضاف إغضابهم أولياءه إلى نفسه . وفي الخبر أنه تعالى يقول : " مرضت فلم تعدني " وقال لإبراهيم عليه السلام : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } [ الحج : 27 ] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم : { مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } [ النساء : 80 ] . هـ . ثم ذكر شأن عيسى ، فقال : { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } .