Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 63-66)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ولما جاء عيسى بالبينات } بالمعجزات أو : بآيات الإنجيل أو : بالشرائع الواضحات { قال } لبني إسرائيل : { قد جئتكم بالحكمة } بالشريعة ، أو : بالإنجيل المشتمل عليها { ولأُبَينَ لكم بعضَ الذي تختلفون فيه } وهو ما يتعلق بأمور الدين ، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فليس بيانه من وظائف الأنبياء عليهم السلام كما قال صلى الله عليه وسلم : " أنتم أعلمُ بدُنياكم " ، وهو عطف على مقدّر ، ينبئ عنه المجيء بالحكمة ، كأنه قيل : جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ، ولأُبيّن لكم ما تختلفون فيه ، { فاتقوا الله } في مخالفتي { وأطيعونِ } فيم أُبلغكم عن الله تعالى : { إِن الله هو ربي وربُّكم فاعبدوه } بيان لما أمرهم به من الطاعة ، وهو اعتقاد التوحيد ، والتعبُّد بالشرائع ، { هذا صراطٌ مستقيمٌ } لا يضل سالكه فهذا تمام كلام عيسى عليه السلام ، وقيل : قوله : { هذا … } الخ من كلام الله تعالى ، مُقرر لمقالة عيسى عليه السلام . { فاختلف الأحزابُ } أي : الفرق المتحزِّبة بعد عيسى ، وهم : اليعقوبية والنسطورية ، والملكانية ، والشمعونية ، { من بينهم } أي : من بين النصارى ، أو : من بين مَن بُعِثَ إليهم من اليهود والنصارى ، أي : اختلافاً ناشئاً من بينهم ، من غير حجة ولا برهان ، { فَويلٌ للذين ظلموا } من المختلفين ، حيث قالوا في عيسى ما كفروا به ، { من عذاب يومٍ أليم } وهو يوم القيامة { هل ينظرون } أي : ما ينتظر أولئك الكفرة ، أو قوم عيسى { إِلا الساعة أن تأتيهم } : بدل من " الساعة " أي : هل ينتظرون إلا إتيان الساعة { بغتةً } فجأة { وهم لا يشعرون } غافلون عن الاستعداد لها ، لاشتغالهم بأمر دنياهم ، أو : منكرون لها ، غير مترقبيبن وقوعها . الإشارة : كانت الرسل - عليهم السلام - يُبينون لأممهم ما يقع فيه الاختلاف من أمر الدين ، سواء تعلّق ذلك بالظاهر أو بالباطن ، بما يوحى إليهم من إلهام ، أو بملَك مرسل ، فلما ماتوا بقي خلفاؤهم من العلماء والأولياء ، فالعلماء يُبينون ما اختُلِف فيه من الشرائع والعقائد ، بما عندهم من القواعد والبراهين ، والأولياء يُبينون الحقائق ، وما يتعلق بالقلوب من الشكوك والخواطر ، وسائر الأمراض ، بما عندهم من الأذواق والكشوفات . فالعلماء يرجعون إلى كتبهم وعلومهم ، والأولياء يرجعون إلى قلوبهم وأذواقهم ، حتى كان فيما سلف من العلماء إذا توقفوا في مسألة عقلية أو قلبية أخذوا صوفيّاً أُميّاً فيسألونه ، ويجبرونه على الجواب ، فيجيبهم عن كل ما يسألونه ، كقصة أبي الحسن النوري مع القاضي ، وغيره ، وقد كان الشعراني يسأل شيخه الخواص - وهو أُمي - عن أمر معضلة ، فيجيب عنها ، حتى إن كتبه كلها مطرزة بكلامه رضي الله عنهم أجمعين . وأهل الأذواق هم المتقون المتحابُّون في الله ، الذين أشار إليهم تعالى بقوله : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ } .