Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 67-73)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { الأخلاءُ يومئذ بعضُهُم لبعضٍ عدو } أي : المتحابون في الدنيا على الأمور الذميمة متعادون يوم القيامة ، يبغض بعضهم بعضاً ، فتنقطع في ذلك اليوم كل خُلة كانت لغير الله ، وتنقلب عدواة ومقتاً لانقطاع سببها ، وهو الاجتماع على الهوى ، { إِلا المتقين } أي : الأخلّة المصادقين في الله ، فإنها الخُلة الباقية لأن خُلتهم في الدنيا لمَّا كانت لله ، وفي الله ، بقيت على حالها لأن ما ان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل ، بل تزداد خُلتهم بمشاهدة كل واحد منهم بركة خُلتهم من الثواب ، ورفع الدرجات . وسُئل صلى الله عليه وسلم : مَن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ فقال : " المتحابون في الله " ، وخرَّج البزار عن ابن عباس رضي الله عنه قيل : يا رسول الله ! أَيُّ جُلَسَائِنا خيرٌ ؟ قال : " مَن ذكَّرَكُم بالله رؤيتُه ، وزاد في عَمَلِكم مَنطِقُه وذكَّركُمْ بالله عِلمُه " . ومن كلام الشيخ أبي مدين رضي الله عنه : دليل تخليطك صحبتك للمخلطين ، ودليل انقطاعك إلى الله صحبتك للمنقطعين . هـ . في سماع العتبية : قال مالك : لا تصحبْ فاجراً لئلا تتعلَّم من فجور ، قال ابن رُشد : لا ينبغي أن يُصحب إلا مَن يُقتدى به في دينه وخيره لأن قرين السوء يُردي ، قال الحكيم : @ عَن المرْءِ لا تَسْأَلْ وسَلْ عن قَرِينه فَكُلُّ قَرِينِ بالمُقارِنِ مُقْتَد @@ وفي الحديث : " المَرْءُ على دينِ خَليله " وسيأتي ، في الإشارة بقية الكلام على المتحابين في الله . ويقال لهم حينئذ ، تشريفاً لهم ، وتطييباً لقلوبهم : { يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } ، ثم وصفهم أو مدحهم بقوله : { الذين آمنوا بآياتنا } صدّقوا بآياتنا التنزيلية ، { وكانوا مسلمين } منقادين لأحكامنا ، مخلصين وجوههم لنا ، وعن مقاتل : " إذا بعث الناس ، فزع كل أحد ، فينادي منادٍ : { يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } فيرجوها الناس كلهم ، فيتعبها الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، فيُنكِّس أهل الأديان الباطلة رؤوسَهم " . ثم يقول لهم : { ادخلوا الجنةَ أنتم وأزواجُكم } نساؤكم المؤمنات { تُحْبرون } تُسرّون سروراً يظهر حُباره - أي : أثره - على وجوهكم أو : تُزَينون ، من : الحبرة وهو حسن الهيئة ، أو : تُكرَمون إكراماً بليغاً ، وتتنعمون بأنواع النعيم . والحبرة : المبالغة فيما وصف بجميل وتقدّم في قوله : { فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } [ الروم : 15 ] أنه السماع . { يُطاف عليهم بصِحَافٍ من ذهب } أي : بعد دخولهم الجنة حسبنا أمروا به { وأكوابٍ } من ذهب حذف لدلالة ما قبله . والصِحَاف : جمع صحفة ، قيل : هي كالقصعة ، وقيل : أعظم القصاع ، فهي ثلاث : الجفنة ، ثم القصعة ، ثم الصحفة ، والأكواب : جمع كوب ، وهو كوز مستدير لا عروة له . وفي حديث أبي هريرة ، عنه صلى الله عليه وسلم قال : " أدنى أهْلُ الجنةِ مَن له سَبْعُ درجاتٍ ، هو على السادسة ، وفوقه السابعة ، وإنّ له ثَلاَثَمائةِ خادمٍ ، ويُغدى عليه ويُراح بثلاثمائة صَحفةٍ من ذَهبٍ ، في كلِّ صَحْفَةٍ لونٌ ليس في الأُخرى مِثْلُه ، وإنه لَيَلَدُّ آخِرُه كما يَلَدُّ أَوله ، ويقول : لَوْ أَذِنْتَ لي يا رب لأطْعَمْتُ أهلَ الجنةِ ، وأسقيتهم ، ولا ينقص مما عندي شيء ، وإنَّ لَه من الحور العِين لاثنين وسبعين زوجة ، سوى أزواجه في الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذَ مِقعدُها قَدرَ ميل " وفي حديث عكرمة : " إن أدنى أهل الجنة منزلةً مَن يُفسح له في بصره مسيرة مائة عام ، في قصور من ذهب ، وخيام من لؤلؤٍ ، وليس منها موضع شبر إلا معمور ، يُغدى عليه ويُراح بسبعين ألف صحفة من ذهب ، ليس فيها صحفة إلا وفيها لون ليس في الأخرى مثله ، شهوته في آخرها كشهوته في أولها ، ولو نزل به جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطى ، ولا ينقص ذلك ما اُوتي شيئاً " ويجمع بينهما بتعدُّد اهل هذه المنزلة ، وتفاوتهم . { وفيها } أي : في الجنة { ما تشتهيه الأنفسُ } من فنون الملاذ . ومَن قرأ بحذف الهاء فلطول الموصول بالفعل والفاعل . { وتلذُّ الأعينُ } أي : تستلذه ، وتقر بمشاهدته ، وهذا حصر لأنواع النعيم لأنها إما مشتهيات في القلوب ، أو مستلذات في العيون ، ففي الجنة كل ما يشتهي العبد من الملابس والمناكح والمراكب . رُوي أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إني أُحبُّ الخيلَ ، فهل في الجنة خيلٌ ؟ فقال : " إنْ يُدْخلك اللّهُ الجنةَ فلا تشاء أن تركبَ فرساً من ياقُوتَةٍ حمراء ، يَطيرُ بكَ في الجنة حيث شئت ، إلا فعلت ، قال أعرابي : يا رسول الله ، إني أحبُّ الإبلَ ، فهل في الجنة إبل ؟ فقال : يا أعرابي ، إن يُدْخلك الله الجنة ففيها ما اشتهيت نفسك ولذَت عيناك " هـ . وقال أبو طيبة السلمي : إن الشرذمة من أهل الجنة لتظلهم سحابة ، فتقول : ما أُمْطِرْكُم ؟ فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أَمطرَتْه ، حتى إن الرجل منهم يقول : أمطر علينا كواعب أتراباً . وقال أبو أُمامة : إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير ، فيقع نضيجاً في كفه كما أراد ، فيأكل منه حتى تشتهي نفسه ، ثم يطير كان أول مرة ، ويشتهي الشراب ، فيقع الإبريق في يده ، فيشرب منه ما يريد ، ثم يُرفع الإبريق إلى مكانه . هـ . من الثعلبي . قال القشيري : وفيها ما تشتهيه الأنفس للعُبَّاد لأنهم قاسوا في الدنيا - بحكم المجاهدات - الجوعَ والعطشَ ، وتحمّلوا وجوهَ المشاقِّ ، فيجزون في الجنة وجوهاً من الثواب ، وأما أهل المعرفة والمحبُّون فلهم ما تلذّ أعينهم من النظر إلى الله ، لطول ما قاسوه من فَرْطِ الاشتياق بقلوبهم ، وما عالجوه من احتراقهم فيه لشدة غليلهم . هـ . والحاصل : أن ما تشتهي الأنفس يرجع لنعيم الأشباح ، وتلذ الأعين لنعيم الأرواح من النظر ، والقُرب ، والمناجاة والمكالمة ، والرضوان الأكبر ، منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر . { وأنتم فيها خالدون } إتمام للنعمة ، وكمال للسرور فإن كل نعيم له زواله مكدر بخوف زواله لا محالة . { وتلك الجنة } مبتدأ وخبر ، و " التي أُورثتموها " : صفة الجنة ، أو : " الجنة " صفة المبتدأ ، الذي هو الإشارة ، و " التي أورثتموها " : خبره . أو : " التي أورثتموها " صفة المبتدأ ، و { بما كنتم تعملون } : خبر ، أي : حاصلة ، أو كائنة بما كنتم تعملون في الدنيا ، شبه جزاء العمل بالميراث لبقائه على أهله دائماً ، ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم : " لَن يُدخِل أحدَكُم الجنةَ عملُه " لأن نفس الدخول بالرحمة ، والتنعُّم والدرجات بقدر العمل ، أو : تقول : الحديث خرج مخرج الحقيقة ، والآية خرجت مخرج الشريعة ، فالحقيقة تنفي العمل عن العبد ، وتُثبته لله ، والشريعة تُثبته له باعتبار الكسب ، والدين كله وارد بين حقيقة وشريعة فإذا شرع القرآن حققته السُّنة ، وإذا شرعت السنة حققه القرآن . والله تعالى أعلم . { لكم فيها فاكهةُ كثيرة } بحسب الأنواع والأصناف ، لا بحسب الأفراد فقط ، { منها تأكلون } أي : لا تأكلون إلا بعضها ، وأعقابها باقية في أشجارها على الدوام ، لا ترى فيها شجراً خلت عن ثمرها لحظة ، فهي مزيّنة بالثمار أبداً ، موقورة بها ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت في مكانها مثلاها " . الإشارة : كل خُلة وصحبة تنقطع يوم القيامة ، إلاَّ خُلة المتحابين في الله ، وهم الذين ورد في الحديث : أنهم يكونون في ظل العرش ، والناس في حر الشمس ، يغشى نورُهم الناسَ في المحشر ، يغبطهم النبيون والشهداء لمنزلتهم عند الله . قيل : يا رسول الله ، مَن هؤلاءِ ؟ صفهم لنا لنعرفهم ، قال : " رجالٌ من قبائلَ شتى ، يجتمعون على ذكر الله " . وقد ورد فيهم أحاديث ، منها : حديث الموطأ ، عن معاذ ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله تعالى : " وَجَبَتْ محَبتِّي للمُتَحَابِّين فِيَّ ، والمُتَجالِسينَ فيّ ، والمُتبَاذِلينَ فِيّ ، والمُتَزَاوِرينَ فِيّ " ، وفي رواية أبي مُسلم الخولاني : قال صلى الله عليه وسلم : " المتحابُّون في الله على مَنَابرَ من نورٍ ، في ظِلِّ العرشِ ، يوم لا ظِلَّ إِلا ظِلُّه " ، وفي حديث آخر : " ما تحابّ اثنان في الله إلا وُضِعَ لهما كُرسِيّاً ، فيجلِسَانِ عليه حتى يَفْرغَ من الحساب " وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ المُتَحَابِّين في الله لَتَرى غُرفَهُم في الجنة كالكوكب الطَّالِعِ الشَّرقِي أو الغربي ، فيقال : مَن هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المُتَحَابُّونَ في الله عزّ وجل " . وفي رواية : " إنّ في الجنة غُرَفاً يُرى ظواهِرُها مِن بَوَاطِنِها ، وبَواطِنُها من ظَواهرها ، أعدَّها الله للمُتحابِّين في الله ، والمُتَزَاورِينَ فيه ، والمُتباذِلين فيه " وفي لفظ آخر : " إنَّ في الجنة لعُمُداً من ياقوتٍ ، عليها غُرَفٌ من زَبَرْجد ، لها أبواب مُفَتَّحَةٌ تُضيء كما يُضيء الكوكب الدُّرِّي ، قلنا : يا رسول الله ، مَن يَسْكُنُها ؟ قال : المتحابُّون في الله ، والمتباذِلُون في الله ، والمتلاقون في الله ، مكتوب على وجوههم ، هؤلاء المتحابون في الله " وفي الأثر أيضاً : إذا كان يوم القيامة : نادى منادٍ : أين المتحابون في الله ؟ فيقوم ناس - وهم يسير - فَيَنْطَلِقُون إلى الجَنَّ سِرَاعاً ، فَتَتَلقَّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سِراعاً إلى الجنة ، فمَن أنتم ؟ فيقولون : نحن المتَحَابُّون في الله فيقولون : وما كان تحابُّكُم ؟ فيقولون : كنَّا نتحاب في الله ونتزاورُ في الله ، ونتعاطف في الله ، ونتباذل في الله ، فيُقال لهم : ادخلوا الجنة ، فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين . هـ . من البدور السافرة . والتباذل : المواساة بالبذل . وذكر في الإحياء شروط المتحابين في الله ، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين ، كعقد النكاح بين الزوجين ، ثم قال : فَلأخيك عليك حق في المال ، وفي النفس ، وفي اللسان ، وفي القلب . وبالعقو ، وبالدعاء ، وذلك تجمعه ثمانية حقوق . الحق الأول : في المال بالمواساة ، وذلك على ثلاثة مراتب أدناها : أن تُنزله منزلة عبدك وخادمك ، فتقوم بحاجاته بفضله مالك ، فإذا سنحت له حاجة ، وعندك فضلة أعطيته ابتداءً ، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير . الثانية : أن تنزله منزلة نفسك ، وترضى بمشاركته إياك في مالك ، فتسمح له في مشاركته . الثالثة - وهي العليا - : أن تؤثره على نفسك ، وتقدم حاجته على حاجتك ، وهي رتبة الصدّيقين ، ومنتهى درجات المتحابين . الحق الثاني : الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات ، والقيام بها قبل السؤال ، وهذا أيضاً لها درجات كالمواساة ، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال ، ولكن مع البشاشة والاستبشار ، وإظهار الفرح . وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك ، فتكون متفقداً لحاجته ، غير غافل عن أحواله ، كما لا تغفل عن أحوال نفسك ، وتغنيه عن السؤال . وأعلاها : أن تؤثره على نفسك ، وتقدم حاجته على حاجتك ، وتؤثره على نفسك ، وأقاربك ، وأولادك . كان الحسن يقول : إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا لأن أهلينا يذكروننا الدنيا ، وإخواننا يذكروننا في الآخرة . الحق الثالث : على اللسان بالسكوت ، فيسكت عن التجسُّس ، والسؤال عن أحواله ، وإذا رآه في طرقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته ، فربما يثقل عليه ، أو يحتاج إلى أن يكذب ، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه ، فلا يبثها إلى غيره ، ولا إلى أخص أصدقائه ، ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة ، وليسكن عن مماراته ومدافعته في كلامه . الحق الرابع : على اللسان بالنطق ، فيتودد إليه بلسانه ، ويتفقده في أحواله ، كالسؤال عن عارض عرض له ، وأظهر شغل القلب بسببه ، فينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها . والأحوال التي يُسِرُّ بها ، ينبغي أن يظهر له بلسانه كراهتها . والأحوال التي يُسِرُّ بها ، ينبغي أن يظهر له بلسانه مشاركته في السرور بها . فمعنى الأخوة : المساهمة في السراء والضراء ، ويدعوه بأحب أسمائه في حضوره ومغيبه ، ويُثني عليه بما يعرف من محاسن أحواله ، عند مَن يريد هو الثناء عنده ، وكذا على أولاده وأهله ، حتى على عقله ، وخُلُقه ، وهيئته ، وخطه ، وشعره ، وتصنيفه ، وجميع ما يفرح به ، من غير كذب ولا إفراط ، ويذب عنه في غيبته مهما قُصد بسوء ، ويُعلمه مما علّمه الله وينصحه . الحق الخامس : العفو عن الزلاّت والهفوات ، فإن كان زلته في الدين بارتكاب معصية ، فليتلطّف في نصحه ، فإن بقي مُصرّاً ، فقد اختلف الصحابة في ذلك ، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته ، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته . وذهب أبو الدرداء ، وجماعة ، إلى خلاف ذلك ، وقال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يُعوجُّ مرة ، ويستقيم أخرى . وهذا ألطف وأفقه ، وذلك لما في هذه الطريق من الرفق ، والاستمالة ، والتعطُّف ، المفضي إلى الرجوع والتوبة . وأيضاً : للأخوة عقد ، ينزل منزلة القرابة ، فإذا انقعدت وجب الوفاء بها ، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره ، وفقر الدين أشد من فقر المال . ثم قال : والفاجر إذا صَحِبَ تقيّاً وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب ، ويتخلّى من الإصرار ، بل الكسلان يصحب الحريص في العمل ، فيحرص ، حياءً منه ، وإن كانت زلته في حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب . هـ . قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه . الحق السادس : الدعاء له في حياته ومماته بكل ما يُحب لنفسه وأهله . قلت : ومن ذلك زيارة قبره ، وإيصال النفع له في ذلك الوقت . الحق السابع : الوفاء والإخلاص . ومعنى الوفاء : الثبات على الحب ، وإدامته إلى الممات ، معه ومع أولاده وأصدقائه . الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلُّف ، فلا تُكلف أخاك ما يشق عليه بل تُرَوح سره عن مهماتك وحاجاتك ، وترفهُه عن أن تحمّله شيئاً من أعبائك ، ولا تكلفه التواضع لك ، والتفقُّد والقيام بحقوقك ، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى . هـ . باختصار . وفي وصية القطب ابن مشيش ، لأبي الحسن رضي الله عنهما : لا تصحب مَن يُؤثر نفسه عليك ، فإنه لئيم ولا مَن يُؤثرك على نفسه ، فإنه قلما يدوم واصحب مَن إذا ذكر ذكر الله ، فالله يغني به إذا شهد ، وينوب عنه إذا فُقِدْ ، ذكره نور القلوب ، ومشاهدته مفاتح الغيوب . ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب مَن يبخل عنك بما عنده من العلوم ، ولا مَن يتكلّف لك ، فإنه لا يدوم ، وهذه صحبة الشيخوخة . وقال صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ الأَخَوَيْنِ كَمَثَلِ اليَدَيْنِ ، يَغْسِلُ إِحداهُما الأُخرى ، وكَمَثَلِ البُنْيَان يَشُدُّ بَعْضُه بعضاً " وفي معناه قيل : @ إِنَّ أخَاكَ الحقَّ مَن كَانَ مَعَك وَمَن يَضُرُّ نَفْسَه لِيَنْفَعَك وَمَنْ إِذا رَأَى زَمَاناً صَدَّعَكَ شَتَّتَ فِيكَ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك @@ وهذا في حق الإخوان ، والله تعالى أعلم . ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء ، فقال : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } .