Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 17-24)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ولقد فتنا قبلهم } قبل هؤلاء المشركين ، { قومَ فرعون } أي : امتحانهم بإرسال موسى عليه السلام ، أو : أوقعناهم في الفتنة بالإمهال وتوسيع الأرزاق ، أو فعلنا بهم فعل المختبِر ليظهر ما كان باطناً ، { وجاءهم رسولٌ كريمٌ } موسى عليه السلام ، أي : كريم على الله ، أو على المؤمنين ، أو في نفسه حسيب نسيب ، لأن الله تعالى لم يبعث نبيّاً إلا من سادات قومه : { أنْ أدُّوا إِليَّ عبادَ الله } أي : بان أدُّوا إليّ ، أي : ادفعوا عبادَ الله ، وهم بنو إسرائيل ، بأن ترسلوهم معي ، فكانت دعوة موسى لفرعون بعد الإقرار بالتوحيد إرسال بني إسرائيل من يده ، أو : بأن أدُّوا إليّ يا عباد الله ما يجب عليكم من الإيمان ، وقبول الدعوة ، فالعباد على هذا عام . فـ " إن " مفسرة لأن مجيء الرسل لا يكون إلا بدعوة ، وهي تتضمن القول ، أو مخففة ، أي : جاءهم بأن الشأن أدوا إليّ ، و " عبادُ الله " على الأول : مفعول به ، وعلى الثاني : منادى ، { إِني لكم رسولٌ أمين } تعليل للأمر ، أو لوجوب المأمور ، أي : رسول غير ظنين ، قد ائتمنني الله على وحيه ، وصدّقني بالمعجزات القاهرة . { وأن لا تعلوا على الله } أي : لا تتكبّروا على الله بالاستهانة بوحيه وبرسوله أو : لا تتكبروا على نبيّ الله ، { إِني آتيكم } من جهته تعالى { بسلطانٍ مبين } بحجة واضحة ، لا سبيل إلى إنكارها ، تدل على نبوتي ، وفي إيراد الأداء مع الأمين ، والسلطان مع العلو ، من الجزالة ما لا يخفى ، { وإِني عُذْتُ بربي وربكم } أي : التجأت إليه ، وتوكلتُ عليه ، { أن ترجمون } من أن ترجمون ، أي : تؤذونني ضرباً وشتماً ، أو تقتلوني رجماً . قيل : لما قال : { وأن لا تعلوا على الله } توعّدوه بالرجم ، فتوكّل على الله ، واعتصم به ، ولم يُبال بما توعّدوه . { وإِن لم تؤمنوا لي فاعتزلونِ } أي : وإن كابرتم ولم تُذعنوا لي ، فلا مولاة بيني وبين مَن لا يؤمن ، فتنحُّوا عني ، أو : فخلُّوني كفافاً لا لي ولا عليّ ، ولا تتعرضوا لي بشرِّكم وأذاكم ، فليس ذلك جزاء مَن دعاكم إلى ما فيه فلا حُكم ، قال أبو السعود : وحَمْلُه على قطع الوصلة وعدم الموالاة بينه وبينهم ، يأباه المقام . { فدعا ربَّه } بعدما تمادوا على تكذيبه ، شاكياً إلى ربه : { أَنَّ هؤلاء } أي : بأن هؤلاء ، { قوم مجرمون } وهو تعريض بالدعاء عليهم ، بذكر ما استوجبوه ، ولذلك سمي دعاء ، وقيل : كان دعاؤه ، : اللهم عجِّل لهم ما يستوجبونه بإجرامهم ، وقيل : هو قوله : { أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } [ القمر : 10 ] وقيل : قوله : { لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [ يونس : 85 ] وقُرئ بالكسر على إضمار القول . قال تعالى له بعدُ : { فأَسْرِ بعبادي ليلاً } والفاء تؤذن بشرط محذوف ، أي : إن كان الأمر كما تقول { فأسْرِ بعبادي } بني إسرائيل { ليلاً إِنكُم مُتَّبعون } أي : دبّر الله أن تتقدموا ، ويتبعكم فرعون وجنوده ، فننجّي المتقدمين ، ونغرف الباقين ، { واترك البحر رَهْواً } ساكناً على حالته بعدما جاوزته ، ولا تضربه بعصاك لينطبق ، ولا تُغيره عن حاله ليدخله القبط ، أراد موسى عليه السلام لمّا جاوزه أن يضربه بعصا لينطبق ، فأمره أن يتركه ساكناً على هيئته ، قاراً على حالته ، من انتصاب الماء كالطود العظيم ، وكون الطريق يبساً لا يُغير منه شيئاً ، ليدخله القبط ، فإذا دخلوا فيه أطبقه الله عليهم ، فالرهو في كلام العرب : السكون ، قال الشاعر : @ طَيرٌ رَأَتْ بازياً نَضحَ الدُّعاءُ به وأُمَّةٌ خَرَجَتْ رَهْواً إلى عيدِ @@ أي : ساكنة ، وقيل : الرهو : الفرجة الواسعة ، أي : اتركه مفتوحاً على حاله منفرجاً ، { إنهم جند مُغْرَقون } بعد خروجكم من البحر . وقرئ بالفتح ، أي : لأنهم . الإشارة : كل زمان له فراعين ، يحبسون الناسَ عن طريق الله ، وعن خدمته ، فيبعث الله إليهم مَن يُذكَّرهم ، ويأمرهم بتخلية سبيلهم ، أو بأداء الحقوق الواجبة عليهم ، فإذا كُذّب الداعي ، قال : وإن لم تؤمنوا فاعتزلون ، فإذا أيِس من إقبالهم دعا عليهم ، فيغرقون في بحر الهوى ، ويهلكون في أودية الخواطر . وبالله التوفيق . ثم حضَّ على الاعتبار ، فقال : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } .