Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 7-11)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ويلٌ لكل أفَّاكٍ } كذَّاب { أثيم } كثير الآثام ، { يسمع آيات الله } التنزيلية { تُتلى عليه } وجملة " يسمع " صفة أخرى لأفَاك ، أو استئناف ، أو حال من ضمير " أثيم " ، " تتلى " : حال من " آيات الله " ، { ثم يُصِرُّ } أي : يُقيم على كفره ، حال كونه { مستكبراً } عن الإيمان بالآيات ، والإذعان لما تنطق به من الحق ، مُزْدرياً بها ، مُعجَباً بما عنده من الأباطيل . قيل : نزلت في النضر بن الحارث ، وكان يشتري من أحاديث الأعاجم ، ويشغل بها الناس عن سماع القرآن ، والآية عامة في كل مَن كان مضاراً لدين الله وجيء بثمّ لأن الإصرارَ على الضلالة ، والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن ، مستبعدٌ في العقول . ثم قال : { كأن لم يسمعها } أي : كأنه لم يسمعها ، فأن مخففة ، ومحل الجملة النصب على الحال ، أي : يُصر شبيهاً بغير السامع ، { فبشِّره } على إصراره واستكباره { بعذابٍ أليم } أي : أخبره خبر يظهر أثره على البشرة ، تهكُّماً به . { وإِذا عَلِمَ من آياتنا شيئاً } أي : إذا بلغه من آياتنا شيئاً يمكن أن يتشبّث بها المعاند ، ويجد له محملاً فاسداً يتوسل به إلى الطعن والمغمزة ، { اتخذها } أي : مهزوءاً بها ، لا ما يسمعه فقط ، وإنما لم يقل : اتخذه للإشعار بأنه إذا أحسّ بشيء من الكلام فيه شيء بزعمه الركيك لم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه ، بل يستهزئ بالجميع ، ويجوز أن يرجع الضمير لشيء لأنه في معنى الآية . { أولئك لهم } بسبب جناياتهم المذكورة { عذابٌ مُهين } وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله تعالى ، وجمع الإشارة باعتبار ما في { كل أفَّاك أثيم } من الشمول ، كما في قوله تعالى : { كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ المؤمنون : 53 ] ، وأفرد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحدٍ واحد ، { مِن ورائهم جهنمُ } أي : من قدّامهم ، لأنهم متوجهون إلى ما أعدّ لهم ، أو : مِن خلقهم لأنهم معرضون عن ذلك ، مقبلون على الدنيا ، فإن الوراء : اسم للجهة التي يواريها الشخص من قدّام وخلف ، { ولا يُغني عنهم } لا يدفع عنهم { ما كسبوا } من الأموال والأولاد { شيئاً } من عذاب الله تعالى ، { ولا ما اتخذوا من دون الله أولياءَ } أي : الأصنام ، و " ما " مصدرية ، أو موصولة ، وتوسيط حرف النفي بين المعطوفين ينبئ أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعاً ، مبني على زعمهم الفاسد ، حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم { ولهم عذاب عظيم } لا يقادر قدره . { هذا } أي : القرآن { هُدىً } في غاية الكمال من الهداية ، كأنه نفس الهدى ، { والذين كفروا بآيات ربهم } أي : القرآن ، وإنما وضع موضع ضميره الآيات لزيادة تشنيع كفرهم وتفظيع حالهم ، { لهم عذابٌ من رِجْزٍ } من أشد العذاب { أليم } مؤلم ، بالرفع صفة " عذاب " ، وبالجر صفة " رِجز " ، وتنوين عذاب في المواضع الثلاثة للتخيم . الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه ، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن ، فالويل حاصل له ، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان ، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى ، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى ، فقد فَاز بعز الدارين . قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم ، واستبصر بنور التوحيد ، فاز بذُخْر الدارين ، وتصدَّى لعز المنزلتين ، ومَن تصامم بحكم الغفلة ، وقع في وهدة الجهل ، ووُسِم بكى الهَجْر . هـ . قوله تعالى : { إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذوها هزواً } قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله ، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة ، وحجاب الفرقة وهوانها . هـ . فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية ، وهي آية من آياته ، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك ، إما في ظاهره ، وهو أخف ، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة ، ولقد سمعت شيخ شيخنا ، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه . هـ . أي : في ظاهره ، وذلك لغاية صفائه . قوله تعالى : { من ورائهم جهنم … } الآية ، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار ، والفرقة بعد الوصال ، وأنشدوا : @ فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ @@ انظر القشيري . ولمَّا ذكر ما منَّ به عليهم من النِعم الباطنة ، وهي دلائل التوحيد ، ذكر ما منَّ به عليهم من النعم الظاهرة ، فقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ } .