Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 11-12)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقوله الحق جلّ جلاله : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا } أي : لأجلهم ، وهو كلام كفار مكة ، قالوا : إنَّ عامة مَن يتبع محمد السُّقاط ، يعنون الفقراء ، كعمار وصهيب وبلال وابن مسعود رضي الله عنهم ، قالوا : { لو كان } ما جاء به محمد من القرآن والدين { خيراً ما سبقونا إِليه } فإن معالي الأمور لا تنالها أيدي الأرذال ، فإنَّ عامتهم فقراء وموالٍ ورُعاة ، قالوه زعماً منهم أن الرئاسة الدينية مما تُنال بأسباب دنيوية ، كما قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، وضلّ عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية ، وملكات روحانية ، مبناها : الإعارض عن زخارف الدنيا ، والإقبال على الله بالكلية ، وأنّ مَن فاز بها حازها بحذافيرها ، ومَن حرمها فما له عند الله من خلاق . والحاصل : أن هذه المقالة سببها الرضا عن النفس ، وهو صل كل معصية وغفلة . ثم قال تعالى : { وإِذ لم يهتدوا به } العامل في الظرف محذوف لدلالة الكلام عليه ، أي : وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم ، وقالوا ما قالوا : { فسيقولون } غير مكتفين بنفي خيريته : { هذا إِفك قديم } أي : كذب متقادم ، كقوله : { أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } [ الأنعام : 25 ] . وقال القشيري : إنه تكذيب للرسل فيما بُيّن لهم ، فما أُنزل عليهم من بعثة محمد رسولاً ، يعني : فيكون كقوله تعالى : { إِنَّا بِكُلِّ كَافِرُونَ } [ القصص : 48 ، الزخرف : 30 ] ، وقيل لابن عباس : أين نجد في القرآن " مَن كره شيئاً عاداه " ، فقرأ هذه الآية : { وإذ لم يهتدوا … } الخ . { ومِن قبله } أي : مِن قبل القرآن { كتابُ موسى } أي : التوراة ، فكتاب : مبتدأ ، و " من قبله " : خبر ، والاستقرار هو العامل في قوله : { إِماماً ورحمةً } على أنهما حالان من الكتاب ، أي : قدوة يُؤْتمُ به في دين الله وشرائعه ، ورحمة من الله تعالى لمَن آمن به . { وهذا } القرآن ، الذي يقولون في حقه ما يقولون ، هو { كتاب } عظيم الشأن { مُصدِّق } لكتاب موسى ، الذي هو أماماً ورحمة ، أو : لِما بين يديه من جميع الكتب الإلهية . قال ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها : أنه لما تضمن قوله : { فسيقولون هذا إفك قديم } تقبيحهم إياه بأنه إما كذب في نفسه ، أو شبيه بما قبله من الأكاذيب والافتراءات ، عقبه ببيان أنه إما صدق في نفسه ، أو شبيه بما قبله من الكتب الصادقة . هـ . حال كون الكتاب { لساناً عربياً ليُنذر الذين ظلموا } متعلق بمُصَدِّق ، أو بأنزل ، محذوفاً ، وفيه ضمير الكتاب ، أو : الله تعالى ، أو : الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويؤيده : قراءة الخطاب ، { وبُشرى للمحسنين } في حيز النصب ، عطف على محل " ليُنذر " لأنه مفعول له ، أي : للإنذار والبشرى ، أو : وهو بشرى للمحسنين ، للمؤمنين المطيعين . الإشارة : قال في الحِكَم : " أصل كل معصية وغفلة وشهوة : الرضا عن النفس ، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة : عدم الرضا منك عنها ، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه ، خير من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه ، فأيّ علِم لعالم يرضى عن نفسه ؟ وأيّ جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟ " ، وعلامة الرضا عن النفس : تغطية مساوئها ، وإظهار محاسنها ، كما قال الشاعر : @ وَعَيْنُ الرِضَا عَن كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ ولَكِن عَين السخطِ تُبدِي المساوي @@ وإذا نقصها له أحدٌ انتقم منه وغضب ، وإذا مدحها له فَرِحَ واستبشر ، ويرى أنه أهل لكل خيرٍ ، وأولى من غيره ، فيقول إذا رأى مَن حاز خيراً أو رئاسة ، كما قال الكفار : لو كان خيراً ما سبقونا إليه ، وعلامة عدم الرضا عنها : إظهار مساوئها ، واتهامها في كل حال . وقال أبو حفص الحداد : مَن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ، ولم يخالفها في جميع الأحوال ، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه ، كان مغروراً ، ومَن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها ، وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه ؟ ! والكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول : { وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِى } [ يوسف : 35 ] هـ . فإذا لم يرضَ عن نفسه ، وهذّبها ، استقامت أحواله ، وكان من المحسنين ، الذين قال الله تعالى في شأنهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } .