Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 10-12)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { أفلم يسيروا } أي : أَقعدوا فلم يسيروا { في الأرض } يعني كفار مكة ، { فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم } من الأمم المكذبة ؟ فإنّ آثار ديارهم تنبئ عن أخبارهم ، فقد { دَمَّر اللَّهُ عليهم } فالجملة : استئناف مبني على سؤال ، كأنه قيل : كيف كان عاقبتهم ؟ فقيل : استأصل الله عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، يُقال : دمّره أهلَكه ، ودمّر عليه : أهلك عليه ما يختص به ، قاله أبو السعود . وفي الصحاح : الدمار : الهلاك ، دمّره تدميراً ، ودمَّر عليه ، بمعنى . هـ . فظاهرة : أن معناهما واحد ، وفسره في الأساس بالهلاك المستأصل ، وقال الطيبي : في دمّر عليهم تضمينُ معنى أطبقَ ، فعُدي بعلى ، ولذلك استأصل . هـ . { وللكافرين } أي : ولهؤلاء الكافرين السائرين بسيرَتِهم { أمثالُها } أي : أمثال تلك الهلكة المفهومة من التدمير ، أو أمثال عواقِبهمْ أو عُقوبَاتهم ، لكن لا على أنّ لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافَه بل مثله ، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة ، حسبما تعدّد الأمم المعذّبة ، ويجوز أن يكون عذابُهم أشدّ من عذاب الأولين فقد قُتلوا وأُسروا بأيدي مَن كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم ، والقتل بيد المثل أشد ألماً من الهلاك بسبب عام ، وقيل : دمَّر اللّهُ عليهم في الدنيا ، ولهم في الآخرة أمثالُها . { ذلك } أي : نصرُ المؤمنين وهلاكُ الكافرين في الحال أو المآل { بأنَّ اللّهَ مولى الذين آمنوا } أي : ناصِرُهم ومعِزَّهُم { وأنَّ الكافرين لا مولى لهم } فيدفع عنهم ما حَلّ بهم من العقوبة ، ولا يخالف هذا قوله : { ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ } [ الأنعام : 62 ] لأن المولى هناك بمعنى المالك . { إِن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتِ تجري من تحتها الأنهارُ } وهذا بيان لحكم ولاية الله لهم وثمرتها الأخروية ، { والذين كفروا يتمتعون } في الدنيا بمتاعِها أياماً قلائل ، { ويأكلون } غافلين عن عَواقبهم ، غير متفكرين فيها { كما تأكل الأنعامُ } في مسارحها ، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح ، فالتشبيهُ بالأنعام صادقٌ بالغفلةِ عن تدبير العاقبة ، وعن شكر المنعِم ، وبعدم التمييز للمُضر من غيره ، كأكل الحرام وعدم تَوَقيه ، وكذا كونُه غير مقصورٍ على الحاجة ، ولا على وقتها ، وسيأتي في الإشارة إن شاء الله . { والنارُ مثوىً لهم } أي : منزلُ ثوَاه وإقامته ، والجملةُ إما حال مقدرةٌ من واو { يأكلون } ، أو استئناف . الإشارة : تفكُّر الاعتبار يكون في أربعة ، الأول : في سرعة ذهاب الدنيا وانقراضها ، كأضغاث أحلام ، وكيف غرَّت مَن انتشب بها ، وأخذته في شبكتها ، حتى قدِم على الله بلا زاد ، وكيف دَمّر اللّهُ على أهل الطغيان ، واستأصل شأفتهم ، فيُنتج ذلك التشمير والتأهُّب ليوم الجزاء . الثاني : في دوام دار البقاء ، ودوام نعيمها ، فينتهز الفرصة في العمل الصالح ، . الثالث : في النِعَم التي أنعم الله بها على عباده ، الدنيوية والأخروية ، الحسية والمعنوية ، قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] فينْتِج ذلك الشكر ، لتدوم عليه . الرابع : في نصب هذه العوالم ، على ما هي عليه من الإبداع والإتقان ، فيُثمر ذلك معرفةَ الصانع ، وباهرِ قدرته وحكمته . وقوله تعالى : { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا … } الخ ، قال القشيري : المَوْلَى : المحِبُّ ، فهو محب الذين آمنوا ، والكافرين لا يُحبهم ، ويصح أن يُقال : أرجى آيةٍ في القرآن هذه الآية ، لم يقل مولى الزُهّاد والعُبّاد وأصحاب الأورادِ والاجتهاد : بل قال : { مولى الذين آمنوا } والمؤمن وإن كان عاصياً فهو من جملتهم . هـ . والمحبة تتفاوت بقدر زيادة الإيمان والإيقان حتى يصير محبوباً مقرباً . قوله تعالى : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } وكذلك الغافل ، فالأنعام تأكل بلا تمييز ، من أي موضع وجدت ، كذلك الجاهل ، لا تمييز له من الحلال أو من الحرام ، والأنعام ليس لها وقت لأكلها ، بل تأكل في كل وقت ، وكذلك الغافل والكافر . فقد ورد " أن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يجتزئ بما تيسّر " ، كما في الخبر : " ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرّاً من بطنٍ " والأنعام تأكل على الغفلة ، فمَن كان في أكله ناسياً لربه ، فأكلُه كأكل الأنعام . انظر القشيري . ولما أمرهم بالنظر فلم يفعلوا ، هددهم بالهلاك ، فقال : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً } .