Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { سيقول المخلِّفون } المذكورون آنفاً { إِذا انطلقتم إِلى مغانمَ } أي : مغانم خيبر { تأخذونها } حسبما وعدكم الله بها ، وخصَّكم بها ، عِوض ما فاتكم من مغانم مكة . و { إذا } : ظرف لما قبله ، لا شرط لما بعده ، أي : سيقولون عند انطلاقكم إلى مغانم خيبر : { ذَرونا نتَّبِعكم } إلى خيبر ، ونشهد معكم قتال أهلها { يريدون إن يُبدِّلوا كلامَ الله } الذي وعد به أهل الحديبية بأن يخصّهم بغنائم خيبر ولا يشاركهم فيها أحد ، فأراد المخلَّفون أن يُشاركوهم ويُبدلوا وعد الله . وكانت وقعة الحديبية في ذي الحجة سنة ست ، فلما رجع إلى المدينة أقام بها بقية ذي الحجة ، ثم غزا في أول السابعة خيبر ، ففتحها ، وغنم أموالاً كثيرة ، فخصصها بأهل الحديبية ، بأمره تعالى ، { قل } لهم إقناطاً لهم : { لن تتبعونا } إلى خيبر ، وهو نفي بمعنى النهي ، للمبالغة ، أي : لا تتبعونا ، أو : نفي محض ، إخبار من الله تعالى بعدم اتباعهم وألا يبدّل القول لديه . { كذلكم قال اللّهُ من قبلُ } أي : من قبل انصرافهم إلى الغنيمة ، وأنَّ غنيمة خيبر لَمن شهد الحديبية فقط ، { فسيقولون } للمؤمنين عند سماع هذا النهي : { بل تحسدوننا } أي : ليس ذلك النهي من عند الله ، بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم ، { بل كانوا لا يفقهون } كلام الله { إِلا قليلاً } شيئاً قليلاً ، يعني : مجرد اللفظ ، أو : لا يفهمون إلا فهماً قليلاً وهو فطنتهم لأمور الدنيا دون الدين ، وهو ردٌّ لقولهم الباطل ، ووصف لهم بسوء الفهم والجهل المفرط . والفرق بين الإضرابين : أن الأول ردَّ أن يكون حكم الله ألا يتبعوهم وإثبات الحسد ، والثاني إضرابٌ عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أعظم منه ، وهو الجهل وقلة الفقه . { قل للمخلَّفين من الأعراب } وهم الذين تخلّفوا عن الحديبية : { ستُدْعَوْن إِلى قومٍ أُولي بأسٍ شديدٍ } يعني : بني حنيفة ، قوم مسليمة الكذاب ، وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه ، لأن المشركين وأهل الردة هم الذين لا يُقبل منهم إلا الإسلام أو السيف . واستُدل بالآية على حقيّة خلافة أبي بكر ، وأخذها من القرآن بقوله : { سَتُدعون } فكان الداعي لهؤلاء الأعراب إلى قتال بني حنيفة ، وكانوا أولي بأس شديد ، هو أبو بكر ، بلا خلاف ، قاتلوهم ليُسلموا لا ليُعطوا الجزية بأمر الصدّيق ، وقيل : هم فارس ، والداعي لقتالهم " عمر " ، فدلّت على صحة إمامته ، وهو يدل على صحة إمامة أبي بكر . { تُقاتلونهم أو يُسلمون } أي : يكون أحد الأمرين ، إما المقاتلة أو الإسلام ، ومعنى " يُسلمون " على هذا التأويل : ينقادون لأن فارس مجوس ، تُقبل منهم الجزية ، { فإِن تُطيعوا } مَن دعاكم إلى قتالهم { يُؤتكم اللّهُ أجراً حسناً } هو الغنيمة في الدنيا ، والجنة في الآخرة ، { وإِن تتولوا } عن الدعوة ، كما توليتم من قبل في الحديبية ، { يُعذبكم عذاباً أليماً } لتضاعف جُرمكم . وقد تضمنت الآية إيجاب طاعة الأمراء بالوعد بالثواب عليها ، والوعيد بالعقاب على التولي ، وقد تقدّم في النساء . الإشارة : سيقول المخلِّفون عن السير بترك مجاهة النفوس ، التي بها يتحقق سير السائرين : ذرونا نتبعكم في السير إلى الله من غير مجاهدة ولا تجريد ، يريدون أن يُبدلوا كلامَ الله ، وهو قوله : { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] ، فخصّ الهداية إلى الوصول بالمجاهدة ، لا بالبقاء مع حظوظ النفوس ، قل : لن تتبعونا في السير ، ولو فعلتم ما فعلتم بلا مجاهدة ، كذلك حكم الحكيم العليم ، فإن قالوا : حسدتمونا ، حيث لم تسيرونا على ما نحن عليه ، فقد دلّ ذلك على جهلهم ، وعدم فهمهم ، قل للمخلفين على السير ، بالبقاء مع حظوظهم : ستُدعون إلى مجاهدة قوم أُولي بأس شديد ، وهو النفس ، بتحميلها ما يثقل عليها ، كالذل ، والفقر ، والهوى بمخالفته ، والدنيا بالزهد فيها ورميها وراء الظهر ، والناس بالفرار منهم جملة ، إلا مَن يدلّ على الله ، تقاتلوهم ، أو يُسلمون ، بأن ينقادوا لكم ، ويصيروا طوع أيديكم ، فإن تُطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً ، وهو لذة الشهة ، ورؤية الملك الودود ، عاجلاً وآجلاً ، وإن تتولوا كما توليتم في زمان البطالة ، وبقيتم مع هوى نفوسكم ، يُعذِّبكم عذاباً أليماً ، بغم الحجاب وسوء العقاب . قال القشيري : قوله تعالى { فإن تُطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً } دلت الآية على أنه يجوز أن تكون للعبد بداية غير مُرْضية ، ثم تتغير للصلاح ، وأنشدوا : @ إذا فَسَدَ الإنسانُ بعد صلاحه فَرَجِّ له بعد الفساد صلاحا @@ قلت : وجه الاستدلال : أن طاعتهم كانت بعد التخلُّف والعصيان ، فقُبلت منهم . ثم استثنى أهل الأعذار الصحيحة ، فقال : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } .