Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-27)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { لقد صَدَقَ اللّهُ رسولَه الرؤيا } أي : صدَقه في رؤياه ولم يكذبه - تعالى الله عن الكذب - فحذف الجارَ وأوصل الفعل كقوله : { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] يقال : صدقه الحديث : إذا حققه وبيّنه له ، أو : أخبره بصدق رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى في النوم ، قبل خروجه إلى الحديبية ، كأنّه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين ، وقد حلقوا وقصّروا ، فقصّ الرؤيا على أصحابه ، ففرحوا ، وحسِبوا أنهم داخلوها ، وقالوا : إن رؤيا رسول الله حق . والله تعالى قد أبهم الأمر عليهم لينفرد بالعلم الحقيقي ، فلما صُدوا ، قال عبد الله بن أُبيّ وغيرُه من المنافقين : والله ما حلقنا ولا قصّرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فنزلت : { لقد صَدَقَ اللّهُ رسوله } فيما أراه ، وما كذب عليه ، ولكن في الوقت الذي يريد . وقوله : { بالحق } إما صفة لمصدر محذوف ، أي : صدقاً ملتبساً بالحق ، أي : بالغرض الصحيح ، والحكمة البالغة التي تُميز بين الراسخ في الإيمان ، والمتزلزل فيه ، أو : حال من الرؤيا ، أي : ملتبسة بالحق ليست من قبيل أضغاث الأحلام ، ويجوز أن يكون قسَماً ، أي : أقسم بالحق { لَتدخُلُنَّ المسجدَ الحرامَ } وعلى الأول : جواب القسم محذوف ، أي : والله لتدخلن المسجد الحرام ، والجملة القسمية : استنئاف بياني ، كأن قائلاً قال : ففيم صَدَقَه ؟ فقال : { لتدخلن المسجد إن شاء الله } وهو تعليق للعِدة بالمشيئة لتعليم العبادة . قال ثعلب : استثنى الله فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون . وقال في القوت : استثنى الله معلماً لعباده ورَادّاً لهم إلى مشيئته ، وهو أصدقُ القائلين ، وأعلمُ العالمين . هـ . أو : للإشعار بأن بعضهم لا يدخلونه ، لموت ، أو غيبة ، أو غير ذلك ، أو : هو حكاية لِما قاله ملَك الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لِما قاله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، حين قصّ عليهم ، أي : والله لتدخلنها { آمنين } من غائلة العدو ، فهو حال من فاعل " لتدخلن " والشرط معترض . { مُحلِّقين رؤوسَكم ومقصِّرين } أي : محلقاً بعضكم ، ومقصراً آخرون ، { لا تَخافون } بعد ذلك أبداً ، فهو حال أيضاً ، أو استئناف ، { فَعِلمَ ما لم تعلموا } من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل ، { فجعل من دون ذلك } فتح مكة { فتحاً قريباً } وهو فتح خيبر ، لتستروح إليه قلوبُ المؤمنين ، إلى أن يتيسر الفتح الموعود . والله تعالى أعلم . الإشارة : العارف الكامل لا يركن إلى شيء دون الله تعالى ، فلا يطمئن إلى وعد ، ولا يخاف من وعيد ، بل هو عبد بين يدَي سيده ، ينظر ما يبرز من زمن عنصر قدرته ، فإن بُشِّر بشيء في النوم أو اليقظة ، لا يركن إليه ، ولا يقف معه لأن غيب المشيئة غامض ، وإن خُوّف بشيء في النوم أو غيره ، لا يفزع ولا يجزع لأن الغنى بالله والأُنس به غيَّبه عن كل شيء ، وفي الله خلف من كل تلف " ماذا فقد من وجدك ؟ " والله يتولى الصالحين ، { وَمَن يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً … } [ الطلاق : 2 ] الآية . قال في الإبريز : الرؤيا المُحْزِّنة إنما هي اختبار من الله للعبد ، هل يبقى مع ربه أو ينقطع عنه ، فإن كان العبد متعلقاً به تعالى ، ورأى الرؤيا المحزنة ، لم يلتفت إليها ، ولما يُبال بها لعلمه بأنه منسوب إلى مَن بيده تصاريف الأمور ، وأنَّ ما اختاره تعالى سبقت به المشيئة ، فلا يهوله أمر الرؤيا ، ولا يلقي إليها بالاً ، وهذه لا تضره بإذن الله تعالى : وإذا كان العبد غير متعلق بربه ، ورأى رؤيا محزنة ، جعلها نصب عينيه ، وعمّر بها باطنه ، وانقطع بها عن ربه ، ويُقدِّر أنها لا محالة نازلة به ، فهذا هو الذي تضره لأنَّ مَن خاف من شيء سلّطه عليه . هـ . وسُئل سهل التستري رضي الله عنه عن الاستثناء في هذه الآية ، فقال : تأكيداً في الافتقار إليه ، وتأديباً لعباده في كل حال ووقت . هـ . أي : أدّبهم لئلاّ يقفوا مع شيء دونه . ثم ردَّ حميّة الجاهلية في عدم إقرارهم برسالته صلى الله عليه وسلم ، فقال : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } .