Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 8-10)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنّا أرسلناك شاهداً } تشهد على أمتك يوم القيامة ، كقوله : { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] وهو حال مقدَّرة ، { ومبشِّراً } لأهل الطاعة بالجنة ، { ونذيراً } لأهل المعصية بالنار ، { لتؤمنوا بالله ورسوله } والخطاب للرسول والأمة ، { وتُعزِّروه } تقوُّوه بنصر دينه ، { وتُوقِّروه } أي : تُعظِّموه بتعظيم رسوله وسائر حرماته ، { وتُسبِّحوه } تُنزِّهوه ، أو تُصلوا له ، من : السبحة ، { بكرةً وأصيلاً } غدوة وعشية ، قيل : غدوة : صلاة الفجر ، وعشية : الظهر والعصر والمغرب والعشاء . والضمائر لله تعالى . ومَن فرّق فجعل الأولين للنبي صلى الله عليه وسلم والأخير لله تعالى ، فقد أبعد . وقرأ المكي والبصري بالغيب في الأربعة ، والضمائر للناس ، وقرأ ابن السميفع : " وتُعززوه " بزاءين ، أي : تنصروه وتُعِزُّوا دينه . { إِنَّ الذين يُبايعونك } على الجهاد ، بيعة الرضوان { إِنما يُبايعون اللّهَ } لأنه خليفة عنه ، فعقد البيعة معه صلى الله عليه وسلم كعقدها مع الله من غير تفاوت بينهما ، كقوله : { مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه } [ النساء : 80 ] ثم أكّد ذلك بقوله : { يدُ اللهِ فوق أيديهم } يعني : أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله ، من باب مبالغة التشبيه ، { فمَن نكث } نقض البيعة ، ولم يفِ بها { فإِنما يَنكُثُ على نفسه } فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه ، قال جابر رضي الله عنه : " بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت ، وعلى ألاَ نفرّ ، فما نكث أحدُ منا البيعةَ ، إلا جَدّ بن قَيْسٍِ المنافق ، اختبأ تحت إبطِ بعيره ، ولم يَسر مع قومه " . { ومَن أوفى بما عاهد عليه اللّهَ } يقال : وفيت بالعهد وأوفيت . وقرأ حفص بضم الهاء من " عليه " توسُّلاً لتفخيم لام الجلالة ، وقيل : هو الأصل ، وإنما كسر لمناسبة الياء . أي : ومَن وفَّى بعهده بالبيعة { فسيؤتيه أجراً عظيماً } الجنة وما فيها . الإشارة : لكل جيل من الناس يبعث اللّهُ مَن يُذكِّرهم ، ويدعوهم إلى الله ، بمعرفته ، أو بإقامة دينه ، ليدوم الإيمان بالله ورسوله ، ويحصل النصر والتعظيم للدين إلى يوم الدين ، ولولا هؤلاء الخلفاء لضاع الدين ، وقوله تعالى : { إنَّ الذين يُبايعونك } الآية ، قال الورتجبي : ثم صرَّح بأنه عليه السلام مرآة لظهور ذاته وصفاته ، وهو مقام الاتصاف بأنوار الذات والصفات في نور الفعل ، فصار هو هو ، إذا غاب الفعل في الصفة ، وغابت الصفة في الذات . فقال : { إن الذين يُبايعونك … } الآية . وإلى ذلك يُشير الحلاّج وغيره . وقال في القوت : هذه أمدح آية في كتاب الله عزّ وجل ، وأبلغ فضيلة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه جعله في اللفظ بدلاً عنه ، فيقول : لله ، وليس هذا من الربوبية للخلق سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم . هـ . وقال الحسن بن منصور الحلاج : لم يُظهر الحق تعالى مقام الجمع على أحد بالتصريح إلا على أخص نسَمِهِ وأشرفه ، فقال : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } . هـ . قال القشيري : وفي هذه الآية تصريحٌ بعين الجمع ، كما قال : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } [ الأنفال : 17 ] وقال في مختصره : يُشير إلى كمال فنائه وجوده عليه السلام في الله وبقائه بالله . هـ . فالآية تُشير إلى مقام الجمع ، المنبه عليه في الحديث : " فإذا أحببته كنت سمعه ، وبصره ، ويده " وسائر قواه ، الذي هو سر الخلافة والبقاء بالله وهذا الأمر حاصل لخلفائه صلى الله عليه وسلم من العارفين بالله ، أهل الفناء والبقاء ، وهم أهل التربية النبوية في كل زمان ، فمَن بايعهم فقد بايع الله ، ومَن نظر إليهم فقد نظر إلى الله ، فمَن نكث العهد بعد عقده معهم فإنما ينكثه على نفسه ، فتيبس شجرةُ إرادته ، ويُطمس نور بصيرته ، فيرجع إلى مقام عامة أهل اليمين ومَن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً شهود ذاته المقدسة على الدوام ، والظفر بمقام المقربين ، ثبتنا الله على منهاجه القويم ، من غير انتكاص ولا رجوع ، آمين . ثم ذكر مَن تخلّف عن البيعة ، فقال : { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } .