Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 100-100)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل لا يستوي الخبيث والطيب } عند الله ، في القلوب والأحوال والأعمال والأموال والأشخاص ، فالطيب من ذلك كله مقبول محبوب ، والرديء مردود ممقوت ، فالطيب مقبول وإن قلّ ، والرديء مردود ولو جلّ ، وهو معنى قوله : { ولو أعجبك كثرة الخبيث } ، فالعبرة بالجودة والرداءة ، دون القلة والكثرة ، وقد جرت عادته تعالى بكثرة الخبيث من كل شيء ، وقلة الطيب من كل شيء ، قال تعالى : { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ صَ : 24 ] ، { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ } [ سَبَأ : 13 ] ، وفي الحديث الصحيح : " النّاسُ كإبلٍ مِائةٍ لا تكادُ تَجِدُ فيها رَاحِلةَ " ، وقال الشاعر : @ إنّي لأفتَحُ عَينِيَ حِينَ أفتَحُها عَلَى كُثِيرٍ ولكن لا أرى أحَدا @@ فأهل الصفا قليل في كل زمان ، ولذلك خاطبهم بقوله : { فاتقوا الله يا أولي الألباب } أي : القلوب الصافية في تجنب الخبيث وإن كثر ، وأخذ الطيب وإن قلّ ، { لعلكم تُفلحون } بصلاح الدارين . الإشارة : لا عبرة بالأحوال الظلمانية وإن كثرت ، وإنما العبرة بالأحوال الصافية ولو قلّت ، صاحب الأحوال الصافية موصول ، وصاحب الأحوال الظلمانية مقطوع ، ما لم يتب عنها ، قال بعض الحكماء : كما لا يصح دفن الزرع في أرض ردية ، لا يجوز الخمول بحال غير مرضية . والمراد بالأحوال الصافية : هي التي توافق مراسم الشريعة بحيث لا يكون عليها من الشارع اعتراض ، بأن تكون مباحة في أصل الشريعة ، ولو أخلت بالمروءة عند العوام ، إذ المروءة إنما هي التقوى عند الخواص ، والمراد بالأحوال ، كل ما يثقل على النفس وتموت به سريعًا ، كالمشي بالحفا وتعرية الرأس ، والأكل في السوق ، والسؤال ، وغير ذلك من خرق عوائدها ، التي هي شرط في حصول خصوصيتها ، وفي الحِكَم : " كيف تخرق لك العوائد ؟ وأنت لم تخرق من نفسك العوائد " . وبالله التوفيق . ومن جملة الأحوال الرديئة : كثرة الخوض فيما لا يعني ، التي أشار إليه بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ } .