Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 97-99)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { البيت الحرام } : عطف بيان على جهة المدح ، و { قيامًا } : مفعول ثان . يقول الحقّ جلّ جلاله : { جعل الله الكعبة } التي هي { البيت الحرام قيامًا للناس } أي : سبب انتعاشهم ، يقوم بها أمر معاشهم ومعادهم ، يلوذ به الخائف ، ويأمن فيه الضعيف ، ويربَحُ فيه التجار ، ويتوجه إليه الحجاج والعُمار ، أو يقوم به أمر دينهم بالحج إليه ، وأمر دنياهم بِأمنِ داخله ، وتُجبى ثمرات كل شيء إليه . قال القشيري : حكَم الله سبحانه بأن يكون بيته اليومَ ملجأ يلوذ به كل مُؤمّل ، ويستقيم ببركة زيارته كلُّ حائدٍ عن نهج الاستقامة ، ويظفر بالانتقال هناك كل ذي أرَبٍ . هـ . { والشهر الحرام } جعله الله أيضًا قيامًا للناس والمراد به ذو الحجة ، فهو قيام لمناسك الحج ، وجَمعِ الوجود إليه بالأموال من كل جانب ، أو الجنس ، وهي أربعة : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، لأنهم كانوا يكفون عن القتال ، ويأمن الناس فيها في كل مكان ، { والهدي } لأنه أمان لمن يسوقه لأنه لم يأت لحرب ، { والقلائد } ، كان الرجل إذا خرج يريد الحج تقلد شيئًا من السمُر ، وإذا رجع تقلد شيئًا من شجر الحرم ليعلم أنه كان في عبادة ، فلا يتعرض له أحد بشر ، فالقلائد هنا : ما تقلده المحرم من الشجر ، وقيل : قلائد الهدى . { ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } أي : جعل ذلك الأمور ، قيامًا للناس لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل الأمور ، فشرع ذلك دفعًا للمضار وجلبًا للمنافع ، { وأن الله بكل شيء عليم } لا يخفى عليه محل مصالح عباده ومضارهم ، وهو تعميم بعد تخصيص ، ومبالغة بعد إطلاق . ثم قال تعالى : { اعلموا أن الله شديد العقاب } لمن عصاه ، { وأن الله غفور رحيم } لمن أطاعه وأقبل عليه ، وهو وعيد ووعد لمن انتهك محارمه ولمن حافظ عليها ، أو لمن أصرّ ورجع ، { ما على الرسول إلا البلاغ } وقد بلّغ ، فلم يبق عذر لأحد ، وهو تشديد في إيجاب القيام بما أمر ، { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } من تصديق وتكذيب وفعل وعزيمة . الإشارة : كما جعل الله الكعبة قيامًا للناس ، يقوم به أمر دينهم ودنياهم ، جعل القلوب ، التي هي كعبة الأنوار والأسرار ، قيامًا للسائرين ، يقوم بها أمر توحيدهم ويقينهم ، أو أمر سيرهم ووصلوهم . وفي الحديث : " إنَّ في الجسدِ مُضغةً إذا صلَحَت صلُحَ الجسدُ كلُّهُ وإذا فَسددَت فَسدَ الجَسدُ كلُّه ألاَ وَهي القَلبِ " وكما جعل الشهر الحرام والهدى والقلائد حرمة لأهلها ، جعل النسبة والتزيي بها حفظًا لصاحبها ، من تزيا بزي قوم فهو منهم ، يجب احترامه وتعظيمه لأجل النسبة ، فإن كان كاذبًا فعليه كذبه ، وإن يك صادقًا يصبكم بعض الذي يعدكم ، وقد أخذ اللصوص بعض الفقراء ، وانتهكوا حرمته ، وأخذوا ثيابه ، فاشتكى لشيخه فقال له : هل كانت عليك مرقعتك ؟ قال : لا ، فقال له : أنت فرطت والمفرط أولى بالخسارة . هـ . والله تعالى أعلم . ولمّا كان مدار الأمر كله على صلاح القلوب وفسادها ذكره بإثره ، فقال : { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } .