Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 101-102)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الجملة الشرطية صفة لأشياء ، وأشياء اسم جمع لشيء ، أصله عند سيبويه : شيئَاءَ ، مثل فَعلاء ، قلبت إلى لفعاء ، أي : قلبت لامه إلى فائه ، لثقل اجتماع الهمزتين ، وقال أبو حاتم : أشياء وزنها أفعال ، وهو جمع شيء ، وترك العرف فيه سماع ، وقال الكسائي : لم ينصرف أشياء ، لشبه آخره بآخر حمراء ، انظر ابن عطية . وجملة عفا الله عنها : صفة أخرى لأشياء ، أي : عن أشياء عفا الله عنها ، ولم يكلف بها . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } ليس لكم فيها نفع ، { إن تُبْدَ لكم تسؤكم } أي : إن تظهر لكم وتجابوا عنها تسؤكم بالأخبار بما لا يعجبكم وبما يشق عليكم ، قيل : سبب نزول الآية : كثرة سؤال الناس له صلى الله عليه وسلم من الأعراب والمنافقين والجُهال ، فكان الرجل يقول للنبي عليه الصلاة والسلام ـ ؟ أين ناقتي ؟ وآخر يقول : ماذا ألقى في سفري ؟ ونحو هذا من التعنيت ، حتى صعد المنبر صلى الله عليه وسلم مغضبًا ، فقال : " لا تَسألُوني اليوم عن شيء إلا أخبرتُكُم به " فقام رجل فقال : أين أنا ؟ فقال : " في النار " وقام عبَدُ الله بن حُذَافة وكان يُطعَنُ في نسبِهِ فقال : مَن أبي ؟ فقال : " أبوكِ حُذافة " ، وقال آخر : من أبي ؟ قال : " أبوك سَالم مولى شيبة " ، فقام عمر بن الخطاب ، فجثا على ركبتيه ، فقال : رَضِينا بالله رَبًا ، وبالإسلامِ دِينًا ، وبمُحمَّدٍ نَبِيًا نعوذ بالله من الفتن . فنزلت هذه الآية . وقيل : سبب نزولها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : " أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " فقالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت ، فأعادوا ، فقال : " لا ، لو قُلتُ : نَعَم ، لوجَبَت ، وَلَو وَجَبت لَم تُطيقوه ، ولَوَ تَركتُموه لهلكتم ، فأترُكُوني مَا تَركتُكُم " ، قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحد حدودًا فلا تعتدوها ، وعفا من غير نسيان عن أشياء ، فلا تبحثوا عنها . ثم قال تعالى : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن } أي زمنه { تُبْدَ لكم } أي : تظهر لكم ، وفيه معنى الوعيد على السؤال ، كأنه قال : لا تسألوا ، وإن سألتم أبدى لكم ما يسؤكم . والمراد بحين ينزل القرآن : زمان الوحي . فلا تسألوا عن أشياء قد { عفا الله عنها } ولم يكلف بها أو عفا الله عما سلف من سؤالكم ، فلا تعودوا إلى مثلها ، { والله غفور حليم } لا يعاجلكم بعقوبة ما فرط منكم ويعفو عن كثير . { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } حيث لم يأتمروا بما سألوا ، وجحدوا ، وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أُمروا بها تركوها ، فهلكوا . فالكفر هنا عبارة عن ترك ما أمروا به . وقال الطبري : كقوم صالح في سؤالهم الناقة ، وكبني إسرائيل في سؤالهم المائدة . زاد الشلبي : وكقريش في سؤالهم أن يجعل الله الصفا ذهبًا . هـ . وكسؤالهم انشقاق القمر ، وغير ذلك من تعنياتهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : مذهب الصوفية مبني على السكوت والتسليم والصدق والتصديق ، مجلسهم مجلس حلم وعلم وسكينة ووقار ، إن تكلم كبيرهم أنصتوا ، كأن على رؤوسهم الطير ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم ـ ، ولذلك قالوا : من قال لشيخه : لِمَ لم يفلح أبدًا . وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : إذا جلست مع الكبراء فدع ما تعلم وما لا تعلم لتفوز بالسر المكنون . هـ . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ يَنهَاكُم عَن قِيلَ وقَالَ ، وكَثرة السُّؤالِ ، وإضَاعَة المَالِ " وقال الورتجبي في الآية تحذير المريدين عن كثرة سؤالهم في البداية عن حالات المشايخ . هـ . قلت : وعلة النهي : لعله يطلع ، بكثرة البحث عن حالهم ، على أمور توجب له نفرة أو غضًّا من مرتبتهم قبل تربية يقينة ، فالصواب : السكوت عن أحوالهم ، واعتقاد الكمال فيهم ، وكذلك يجب عليه ترك السؤال عن أحوال الناس ، والغيبة عما هم فيه شغلاً بهم هو متوجه إليه ، وإلا ضاع وقته ، وتشتت قلبه ، ولله در القائل : @ ولَستُ بِسائِلٍ مَا دُمتُ حَيًّا أسَارَ الجَيشُ أم رَكِبَ الأمِيرُ ؟ @@ والله تعالى أعلم . ومن جملة ما وقع السؤال عنه : البحرة وما معها ، فأجابهم الحق تعالى بقوله : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ } .