Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-30)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الضمير في { عليهم } : لبني إسرائيل لتقدم شأنهم ، ولاختصاصهم بعلم قصة بني ابني آدم ، ولإقامة الحجة عليهم بهمهم ببسط اليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { واتل عليهم } أي : على بني إسرائيل إذ الكلام كان معهم ، أو على جميع الأمة ، أو على جميع الناس ، إذ هو أول الكلام على بقية حفظ الأبدان { نبأ ابني آدم } وهو قابيل وهابيل { بالحق } أي : تلاوة ملتبسة بالحق ، أو نبأ ملتبسًا بالحق موافقًا لما في كتب الأوائل . { إذ قرّبا قربانًا فتُقبل من أحدهما } وهو هابيل ، { ولم يتُقبل من الآخر } وهو قابيل ، وسبب تقريبهما القربان أن آدم عليه السلام كان يُولد له من حواء توأمان في كل بطن : غلام وجارية ، إلا شيتًا ، فإنه ولد منفردًا ، وكان جميع ما ولدته حواء أربعين ، بين ذكر وأنثى ، في عشرين بطنًا ، أولهم قابيل ، وتوأمته أقليما ، وآخرهم عبد المغيث ، ثم بارك الله في نسل آدم . قال ابن عباس : لم يمت آدم حتى بلغ ولده ، وولد ولده ، أربعين ألفًا ، ورأى فيهم الزنا وشُرب الخمر والفساد ، وكان غشيان آدم لحواء بعد مهبطهما إلى الأرض ، وقال ابن إسحق عن بعض العلماء بالكتاب الأول : إن آدم كان يغشى حواء في الجنة ، قبل أن يصيب الخطيئة ، فحملت في الجنة بقابيل وتوأمته ، ولم تجد عليهما وحمًا ولا غيره ، وحملت في الأرض بهابيل وتوأمته ، فوجدت عليهما الوحم والوصب والطلق والدم . وكان آدم إذا كبر ولده يزوج غلام هذا البطن بجارية بطن آخر ، فكان الرجل يتزوج أيّ أخواته شاء إلا تَوأمَته ، لأنه لم يكن نساء يومئٍذ ، فأمر الله تعالى آدم أن يزوج قابيل لَودَاء توأمة هابيل ، وينكح هابيل أقليما أخت قابيل ، وكانت أحسن الناس ، فرضي هابيل وسخط قابيل ، وقال : أختي أحسن ، وهي من ولادة الجنة ، وأنا أحق بها ، فقال له أبوه : لا تحل لك ، فأبى ، فقال لهما آدم : قربًا قربانًا ، فأيكما قُبل قربانه فهو أحق بها . وكان قابيل صاحب زرع ، فقرَّب حِملاً من زرع رديء ، وأضمر في نفسه : لا أُبالي قُبل أو لا ، لا يتزوج أختي أبدًا ، وكان هابيل صاحب غنم ، فقرّب أحسن كبش عنده ، وأضمر في نفسه الرضا لله تعالى ، وكانت العادة حينئٍذ أن تنزل نارٌ من السماء فتأكل القربان المقبول ، وإن لم يقبل لم تنزل ، فنزلت نار من السماء فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، فحسده ، وقال له : { لأقتلنك } ، حسدًا على تقبل قربانه دونه ، فقال له أخوه : { إنما يتقبل الله من المتقين } الكفر ، أي : إنما أُوتيت من قبل نفسك بترك التقوى ، لا من قِبلي ، فِلمَ تقتلني ؟ قال البيضاوي : وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظًا ، لا في إزالة حظه ، فإن ذلك مما يضره ولا ينفعه ، وأن الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متقي . هـ . وفيه نظر : فإن تقوى المعاصي ليست شرطًا في قبول الأعمال بإجماع أهل السنة ، إلا أن يحمل على تقوى الرياء والعجب . انظر الحاشية . ثم قال له أخوه هابيل : { لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يَدِيَ إليك لأقتلك إني أخاف الله ربّ العالمين } أي : لئن بدأتني بالقتل لم أبدأك به ، أو لم أدفعك عني ، وهل تركه للدفع تورع ، وهو الظاهر أو كان واجبًا عندهم ، وهو قول مجاهد ؟ وأما في شرعنا : فيجوز الدفع ، بل يجب ، قاله ابن جزي . وقال البيضاوي : قيل : كان هابيل أقوى منه ، فتحرج عن قتله ، واستسلم له خوفًا من الله ، لأن الدفع لم يُبح بعدُ ، أو تحريًا لِمَا هو الأفضل . قال صلى الله عليه وسلم : " كُن عبدَ الله المقتُول ، ولا تكُن عبدَ الله القاتل " وإنما قال : { ما أنا بباسط } في جواب { لئن بسطت } للتبري من هذا الفعل الشنيع ، والتحرز من أن يوصف به ، ولذلك أكد النفي بالباء . هـ . ثم قال له هابيل : { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار } أي : إني أريد بالاستسلام وعدم الدفع أن تنقلب إلى الله ملتبسًا بإثمي ، أي : حاملاً لإثمي لو بسطت إليك يدي ، وإثمك ببسطك بيدك إليّ ، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم : " المُستَبَّان ما قَالاَ فَعَلى البادِىء منهما مَا لَم يَعتَدِ المَظلُومُ " أو بإثم قتلى وبإثمك الذي لم يتقبل من أجله قربانك ، أو بسائر ذنوبي فتحملها عني بسبب قتلك لي فإن الظالم يجعل عليه يوم القيامة ذنوب المظلوم ثم يطرح في النار ، ولذلك قال : { وذلك جزاء الظالمين } ، يحتمل أن يكون من كلام هابيل ، أو استئناف من كلام الله تعالى ، أي : جزاؤهم يوم القيامة أن يحملوا أوزار المظلومين ، ثم يطرحون في النار ، كما في حديث المفلس . ولم يرد هابيل بقوله : { إني أريد } ، أنه يُحب معصية أخيه وشقاوته ، بل قصد بذلك الكلام أنه إن كان القتل لا محالة واقعًا فأريد أن يكون لك لا لي ، والمقصود بالذات : ألا يكون له ، لا أن يكون لأخيه . ويجوز أن يكون المراد بالإثم عقوبته . وإرادة عقاب العاصي جائزة . قاله البيضاوي . { فطوّعت له نفسه قتل أخيه } أي : سهلت له ووسِعته ولم تضق منه ، أو طاوعته عليه وزينته له ، { فَقتله فأصبح من الخاسرين } دينًا ودنيا ، فبقي مدة عمره مطرودًا محزونًا . قال السدي : لما قصد قابيلُ قتل هابيل ، راغ هابيل في رؤوس الجبال ، ثم أتاه يومًا من الأيام ، فوجده نائمًا فشدخ رأسه بصخرة فمات ، وقال ابن جريج : لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل ؟ فتمثل له إبليس ، وأخذ طيرًا فوضع رأسه على حجر ، ثم شدخه بحجر آخر ، وقابيل ينظر ، فعلمه القتل ، فوضع رأس أخيه على حجر ثم شدخه بحجر آخر . وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة ، وقبره قيل : عند عقبة حراء ، وقال ابن عباس : عند ثور ، وقال جعفر الصادق : بالبصرة ، في موضع المسجد الأعظم . الإشارة : قد تضمنت هذه الآية من طريق الإشارة ثلاث خصال ، يجب التحقق بها على كل مؤمن متوجه إلى الله تعالى : أولها : التطهير من رذيلة الحسد ، الذي هو أول معصية ظهرت في السماء والأرض ، وقد تقدم الكلام عليه في النساء ، الثانية : التطهير من الشرك الجلي والخفي ، والتغلغل في التبري من الذنوب التي توجب عدم قبول الأَعمال ، ويتحصل ذلك بتحقيق الإخلاص ، والثالثة : عدم الانتصار للنفس والدفع عنها إلا فيما وجب شرعًا ، فقد قالوا : الصوفي دمه هدر ، وماله مباح فلا ينتصر لنفسه ولو بالدعاء ، فإما أن يسكت ، أو يدعوا لظالمه بالرحمة والهداية ، حتى يأخذ الله بيده اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال " اللهم اعفِر لِقَومي فَإنَّهُم لا يَعلَمُونَ " . ولمَّا قتل قابيل أخاه ، لم يدر ما يفعل به لأنه أول من مات من بني آدم ، فعلّمه الله كيفية دفنه ، فقال : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ } .