Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 31-31)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ليريه } أي : يعلمه ، وضمير الفاعل يعود على " الله " أو الغراب ، و { كيف } : حال من الضمير في { يُواري } والجملة مفعول ثان ليرى ، أي : ليعلمه الله ، أو الغراب ، كيفية مواراة أخيه ، و { يا ويلتا } : كلمة جزع وتحسر ، والألف فيها بدل من ياء المتكلم ، كيا حسرتا ويا أسفا ، و " أصبح " هنا بمعنى صار . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض } أي : يحفر فيها ، { ليريه } أي : الله ، أو الغراب ، { كيف يُواري } أي : يستر { سوءة أخيه } أي : جسده لأنه مما يستقبح أن يرى ، وخصت بالذكر لأنها أحق بالستر من سائر الجسد ، فعلَّم اللهُ قابيل كيف يصنع بأخيه لأنه لم يدر ما يصنع به ، إذ هو أول ميت مات من بني آدم ، فتحير في أمره ، فبعث الله غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدُهما الآخر ، فحفر له بمنقاره ورجليه ، ثم ألقاه في الحفرة وغطاه بالتراب . قال قابيل لما رأى ذلك : { يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي } فأهتَدِي إلى ما اهتدى إليه ، فحفر لأخيه ودفنه { فأصبح من النادمين } على قتله ، لِما كابد فيه من التحير في أمره ، وحَملِه على رقبته سنة أو أكثر ، وتلمذة الغراب له ، واسوداد لونه ، وتبرّي أبويه منه ، إذ رُوِي أنه لما قتله أسود وجهه ، فسأله آدم عن أخيه ، فقال : ما كنتُ عليه وكيلاً . فقال : بل قتلته فلذلك اسود جسدك ، وتبرأ منه ، ومكث بعد ذلك مائة سنة لم يضحك ، وعدم الظفر بما فعله من أجله . قاله البيضاوي ، فانظره مع ما سيأتي عن الثعلبي . واختلف في كفره فقال ابن عطية : الظاهر أنه لم يكن قابيل كافرًا ، وإنما كان مؤمنًا عاصيًا ، ولو كان كافرًا ما تحرج أخوه من قتله ، إذ لا يتحرج من قتل كافر لأن المؤمن يأبى أن يقتل موحدًا ، ويرضى بأن يُظلَمَ ليجازي في الآخرة . ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عنه لما قصد أهل مصر قتله مع عبد الرحمن بن أبي بكر ، لشُبهةٍ ، وكانوا أربعة آلاف ، فأراد أهل المدينة أن يدفعوا عنه ، فأبى واستسلم لأمر الله . قال عياض : منعه من الدفع إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك سَبَقَ به القدر . حيث بشره بالجنة على بلوى تصيبه ، كما في البخاري ، ونقل عن بعض أهل التاريخ : أن شيتًا سار إلى أخيه قابيل ، فقاتله بوصية أبيه له بذلك ، متقلدًا بسيف أبيه . وهو أول من تقلد بالسيف ، فأخذ أخاه أسيرًا وسلسله ، ولم يزل كذلك حتى قبض كافرًا . هـ . قلت : ولعل تحرّج أخيه من قتله لأنه حين قصد قتله لم يُظهِر كفره ، وظهر بعد ذلك ، فلذلك قاتله أخوه شيت بعد ذلك وأسره ، وذكر الثعلبي : أن قابيل لما طرده أبوه ، أخذ بيد أخته أقليمًا ، فهرب بها إلى أرض اليمن ، فأتاه إبليس فقال له : إنما أكلت النار قربان هابيل ، لأنه كان يخدم النار ويعبدها ، فانصب أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعقبك ، فبنى بيت نار ، وهو أول من عبد النار . هـ . فهذا صريح في كفره . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا كان الحق جل جلاله يدل العصاة من عباده إذا تحيروا على ما يزيل حيرتهم ، فكيف لا يدل الطائعين إذا تحيروا على ما يزيل شبهتهم ، إذا فزعوا إليه والتجأوا إلى حماه ؟ ! فكل من وقع في حيرة دينية أو دنيوية وفزع إلى الله تعالى ، مضطرًا إليه ، فلا شك أن الله تعالى يجعل له فرجًا ومخرجًا من أمره ، إما بواسطة أو بلا واسطة . كن صادقًا تجد مرشدًا ، { فَلَوْ صَدَقُواْ اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ } [ محَمَّد : 21 ] . والله تعالى أعلم . ثم ذكر وبال من قتل نفساً بغير حق ، كما فعل قابيل ، فقال : { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } .