Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-34)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : سبب نزل الآية عند ابن عباس : قوم من اليهود كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل . وهو مناسب لما قبله ، وقال جماعة : نزلت في نفر من عُكل وعُرينَة ، أظهروا الإسلام بالمدينة ، ثم خرجوا وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا إبله ، فبعث في إثرهم ، فأُخذوا ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ، فماتوا ، ثم حُكمُها جارٍِ في كل محارب ، والمحاربة عند مالك : هي حمل السلاح على الناس في بلد أو في خارج عنه ، وقال أبو حنيفة : لا يكون المحارب إلا خارج البلد ، و { فسادًا } : منصوب على العلة ، أو المصدر ، أو على حذف الجار . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله } حيث حاربوا عباده ، فهو تغليظ ومُبالغة ، { و } يحاربون { رسوله } كما فعل العُرَينيون أو غيرهم ، { ويسعون في الأرض فسادًا } بالفساد كإخافة الناس ، ونَهب أموالهم . قال ابن جزي : هو بيان للحرابة ، وهي درجات فأدناها : إخافة الطريق ، ثم أخذ الأموال ، ثم قتل النفس . فجزاؤهم { أن يُقتلوا أو يُصلبوا } ، فالصلب مضاف للقتل ، فقيل : يقتل ثم يصلب ، إرهابًا لغيره ، وهو قول أشهب ، وقيل : يصلب حيًا ويُقتل في الخشبة ، وهو قول ابن القاسم ، { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } ، فيقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، وإن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى ، وقطع اليد من الرسغ ، والرجل من المفصل كالسرقة ، { أو يُنفوا من الأرض } أي : ينفوا من بلد إلى بلد ، ويسجنوا فيه حتى تظهر توبتهم . وقال أبو حنيفة : يسجن في البلد بعينه . ومذهب مالك : أن الإمام مخير في المحارب بين ما تقدم ، إلا أنه قال : إن كان قتل فلا بد من قتله ، وإن يقتل فالأحسن أن يؤخذ فيه بأيسر العقاب . أولئك المحاربون { لهم خزي في الدنيا } : ذل وفضيحة ، { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } لعظم ذنوبهم . ظاهره أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحاربين بخلاف سائر الحدود . ويحتمل أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب ، وفي الآخرة لمن لم يعاقب ، { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } بأن جاءوا تائبين { فاعلموا أن الله غفور رحيم } ، فيسقط عنهم حكم الحرابة ، واخُتلف : هل يطالب بما عليه من حقوق الناس كالدماء أم لا ؟ فقال الشافعي : يسقط عنه بالتوبة حد الحرابة ، ولا يسقط حقوق بني آدم ، وقال مالك : يسقط عنه جميع ذلك ، إلا أن يُوجد معه مال رجل بعينه ، فَيُرَدَّ إلى صاحبه ، أو يطلبه ولي دم بدم تقوم البينة فيه ، فيقاد به ، وأما الدماء والأموال التي لم يطالب بها ، فلا يتبعه الإمام بشيء منها . وتقييد التوبة بالتقدم على القدرة ، يدل على أنها بعد القدرة لا تسقط الحد ، وإن أسقطت العذاب ، والآية في قُطَّاع المسلمين لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها . هـ . قاله البيضاوي : والله تعالى أعلم . الإشارة : فرق كبير بين من يرجع إلى الله بملاطفة الإحسان ، وبين من يقاد إليه بسلاسل الامتحان ، هؤلاء المحاربون لم يرجعوا إلى الله حتى أُخذوا وقُتلوا وصُلبوا أو قطعت أيديهم وأرجلهم . وإن رجعوا إليه اختيارًا قبلهم ، وتاب عليهم ورحمهم وتعطف عليهم ، وكذلك العباد : من رجع إلى الله قبل هجوم منيته قَبِله وتاب عليه ، وإن جد في الطاعة قرَّبه وأدناه ، وإن تقدمت له جنايات ، وقد خرج من اللصوص كثير من الخصوص ، كالفضيل ، وابن أدهم ، وغيرهما ، ممن لا يحصى ، سبقت لهم العناية فلم تضرهم الجناية . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . ثم حضَّ على التقوى التي هي مجمع الخير والفوز من كل شر ، فقال : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } .