Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 65-66)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولو أن أهل الكتاب } اليهود والنصارى ، { آمنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، { واتقوا } ما ذكرنا من معاصيهم ومساويهم ، { لكفّرنا عنهم سيئاتهم } المتقدمة ، ولم نؤاخذهم بها ، { ولأدخلناهم جنات النعيم } مع المؤمنين ، وفيه تنبيه على أن الإسلام يجُب ما قبله ولو عظم ، وأن الكتابي لا يدخل الجنة إلا أن يسلم . { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } بالإيمان بما فيهما ، وإذاعة علمهما ، والقيام بأحكامهما ، من غير تفريق بينهما ، وآمنوا بما { أُنزل إليهم من ربهم } ، يعني بسائر الكتب المنزلة ، ومن جملتها القرآن العظيم ، فإنهم لما كلفوا بالإيمان بها صارت كأنها منزلة عليهم ، فلو فعلوا ذلك { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } أي : لوسعنا عليهم أرزاقهم ، وبسطنا عليهم النعم بأن يفيض عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ، أو : لأكلوا من فوقهم بكثرة ثمرة الأشجار ، ومن تحت أرجلهم بكثرة الزروع ، أو من فوقهم ما يجنون من ثمار أشجارهم ، ومن تحت أرجلهم ما يتساقط منها ، والمراد : بيان علة قبض الرزق عنهم ، وأن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم ، لا لقصور القدرة عن ذلك . ولو أنهم أقاموا ما ذكرنا لوسعنا عليهم ، ولحصل لهم خير الدارين ، { منهم أمة مقتصدة } أي : جماعة عادلة غير غالية ولا مقصرة ، وهم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { وكثير منهم ساء ما يعملون } أي : قبح عملهم ، وفيه معنى التعجب ، أي : ما أسوأ عملهم ! ، وهو المعاندة وتحريف الحق والإعراض عنه ، والإفراط في العداوة . قاله البيضاوي . قال في الحاشية : وفي الآية شاهد لما ورد من افتراق أهل الكتابين على فرق ، كما أن شاهد افتراق هذه الأمة آية : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ } [ الأعرَاف : 181 ] ، وهذه هي الناجية من هذه الأمة . هـ . يعني التي تهدي بالحق إلى الحق ، وتعدل به في جميع الأمور . الإشارة : كل من حقّق الإيمان الكامل والتقوى الكاملة ، وسع الله عليه من أرزاق العلوم ، وفتحت له مخازن الفهوم ، ودخل جنة المعارف ، فلم يشتق إلى جنة الزخارف ، وقال الورتجبي : لو كانوا على محل التحقيق في المعرفة لأكلوا أرزاق الله بالله من خزائن غيبه ، كأصحاب المن والسلوى والمائدة من السماء ، ويفتح لهم كنوز الأرض وهم على ذلك ، بإسقاط رؤية الوسائط . هـ . وقال القشيري : لو سلكوا سبيل الطاعات لوسعنا عليهم أسباب المعيشة ، وسهلنا لهم الحال ، إن ضربوا يُمنة ، لا يلقون غير اليُمن ، وإن ضرَبوا يُسرةَ ، لا يجدون إلا اليسر . هـ . ثم أمر رسوله بالتبليغ من غير مبالاة بأهل التشغيب ، فقال : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } .