Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 8-10)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { وعد } : يتعدى إلى مفعولين ، وحذف هنا الثاني ، أي : وعدهم أجرًا عظيمًا ، دل عليه الجملة بعده . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا } عَامٌّ أريد به خاص ، وهم أولوا الأمر منهم ، الذين يلُون الحكم بين الناس ، وما تقدم في سورة النساء باقٍ على عمومه ، أي : { كونوا قوامين } على من تحت حكمكم ، راعين لهم فإنكم مسؤولون عن رعيتكم ، وكونوا مخلصين { لله } في قيامكم وولايتكم ، { شهداء } على أنفسكم بالعدل ، تشهدون عليها بالحق إن توجه عليها ، ولا تمنعكم الرئاسة من الإنصاف في الحق ، إن توجه عليكم ، أو على أقاربكم وأصدقائكم ، ولا على عدوكم { ولا يجرمنكم } أي : ولا يحملنكم { شنئان قوم } أي : شدة بغضهم لكم ، { على ألا تعدلوا } فيهم ، فتمنعوهم من حقهم ، أو تزيدوا في نكالهم ، تشفيًا وغيظًا . { اعدلوا هو } أي : العدل { أقرب للتقوى } ، قال البيضاوي : صرح لهم بالأمر بالعدل ، وبيَّن أنه بمكان من التقوى بعد ما نهاهم عن الجور ، وبيَّن أنه مقتضى الهوى . فإذا كان هذا العدل مع الكفار ، فما بالك مع المؤمنين ؟ . هـ . { واتقوا الله } ولا تراقبوا سواه ، { إن الله خبير بما تعملون } فيجازي كلاًّ على عمله ، من عدل أو جور . ثم ذكر ثواب من امتثل ، فقال : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم } ، وأفضل الأعمال : العدل في الأحكام . قال عليه الصلاة والسلام : " المُقسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ يومَ القيامة " … الحديث ، هو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله . ثم ذكر وعيد ضدهم ، فقال : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } كما هو عادته تعالى ، يشفع بضد الفريق الذي يذكر أولاً ، وفاءً لحق الدعوة ، وفيه مزيد وعد للمؤمنين وتطييب لقلوبهم . وهذه الآية في مقابلة قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيُنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } [ النَّساء : 58 ] وتكميل لها . والله تعالى أعلم . الإشارة : أمر الحق جل جلاله شيوخ التربية أن يعدلوا بين الفقراء في النظرة والإمداد ، ولا يحملهم سوء أدب أحدهم ، أو قلة محبته وصدقه ، أن يبعده أو يمقته لأن قلوبهم صافية ، لا تحمل الكدر ، فهم يحسنون إلى من أساء إليهم من العوام ، فضلاً عن أصحابهم فهم مأمورون بالتسوية بينهم في التذكير والإمداد . والله تعالى يقسم بينهم على قدر صدقهم ومحبتهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا قاسمٌ والله مُعطي " أي : إنما أنا أُبين كيفية التوصل إلى الحق ، والله تعالى يتولى إعطاء ذلك لمن يشاء من خلقه ، فالأنبياء والأولياء مثلهم في بيان الطريق بالوعظ والتذكير ، كمن يُبين قسمة التركة بالقلم ، والحاكم هو الذي يوصل إلى كل واحد من الورثة ما كان يَنُوبُه في التركة ، كذلك المذكِّر والمربي ، بين المقامات ، والله يعطي ذلك بحكمته وفضله . والله تعالى أعلم . ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بشكر نعمة حفظه ورعايته ، وتنسحب على الأمراء من بعده ، إذ لا يخلو أحد منهم من عدو أو حاسد ، فقال : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } .