Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 12-15)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { كذبتْ قبلَهم } أي : قبل قريش { قومُ نوحٍ } نوحاً ، حيث أنذرهم بالبعث ، { وأصحابُ الرسّ } قيل : هم مَن بعث إليهم شعيب عليه السلام كما مَرَّ في سورة الفرقان بيانه وقيل : قوم باليمامة ، وقيل : أصحاب الأخذود . والرس : بئر لم تطو ، { وثمودُ وعادٌ وفرعونٌ } أراد بفرعون قومَه ، ليلائم ما قبلهم لأن المعطوف عليه جماعات ، { وإِخوانُ لوط } قيل : كان قومه من أصهاره عليه السلام ، فسماهم إخوانه ، { وأصحابُ الأيكة } هم ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام غير أهل مدين ، { وقومُ تُبَّعٍ } هو ملك باليمن ، دعا قومه إلى الإسلام وهم حِمير ، فكذَّبوه ، وسُمّي تُبعاً لكثرة تبعه . قال ابن إسحاق : كان تُبع الآخِر هو أسعدُ بن كرْب ، حين أقبل من المشرق ، ومرّ على المدينة ، ولم يُهِج أهلها ، وخلف عندهم ابناً له ، فقُتِل غيلة ، فجاء مجمعاً على حربهم ، وخراب المدينة ، فأجمع هذا الحي من الأنصار على قتاله ، وسيدهم عمرو بن طلحة ، أخو بن النجار ، فتزْعُم الأنصارُ : أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ، ويقرُّونه بالليل ، فيعجبه ذلك ، ويقول : إن قومنا هؤلاء لكرام ، فبينما هو كذلك إذا جاءه حَبران من أحبار بني قريظة ، من علماء أهل زمانهما ، فقالا : أيها الملك لا تقاتلهم ، فإنا لا نأمن عليك العقوبة لأنها مهاجر نبيّ يخرُج من هذا الحي ، من قريش ، في آخر الزمان ، هي داره وقراره ، فكُفّ عنهم ، ثم دعواه إلى دينهما ، فاتبعهما ، ثم رجع إلى اليمن ، فقالت له حِمير : لا تدخلها وقد فارقت ديننا ، فحاكِمْنا إلى النار ، وقد كانت باليمن نار أسفل جبل يتحاكمون إليها ، فتأكل الظالم لا تضر المظلوم ، فخرجوا بأصنامهم ، وخرج الحَبران بمصاحفهما ، فأكلت النارُ الأوثانَ ، وما قَرَّبوا معها ، ومَن دخل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، يتلوان التوراة ، ولم تضرهما ، فأطبق أهلُ حمير على دين الحبرين ، فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن . قال الرياشي : كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة ، آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث بسبعمائة سنة . وتقدّم شِعره في الدُخَان . { كُلٌ كّذَّب الرسلَ } فيما أُرسلوا به من الشرائع ، التي من جملتها : البعث الذي أجمعوا عليه قاطبة ، أي : كل قوم من الأقوام المذكورين كذّبوا رسولهم { فحقَّ وعيدِ } أي : فوجب وحلّ عليهم وعيدي ، وهي كلمة العذاب . وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم . { أفَعيِينَا بالخلق الأول } استئناف مقرر لصحة البعث ، الذي حكيت أحوال المنكرين له من الأمم المهلكة . والعَيُّ بالأمر : العجز عنه ، يقال : عيى بالأمر : إذا لم يهتدِ لوجه عمله . والهمزة للإنكار ، والفاء : عطف على مقدر ، ينبئ عنه المقام ، كأنه قيل : أقصدنا الخلق الأول فعجزنا عنه حتى يتوهم عجزنا عن الإعادة ؟ { بل هم في لَبْسِ من خَلقٍ جديدٍ } أي : بل هم في لبس وخلط وشُبهة ، قد لبس عليهم الشيطان وحيّرهم ، حيث سؤَّل لهم أن إحياء الموتى خارج عن العادة ، فتركوا لذلك الاستدلال الصحيح ، وهو : أن مَن قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر . وهو معطوف على مقدر يدل عليه ما قبله ، كأنه قيل : هم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول ، بل هم في خلط وشبهة من خلق مستأنف جديد . وتنكير " خلق " لتفخيم شأنه ، والإشعار بخروجه عن حدود العادة ، والإيذان بأنه حقيق بأن يبحث عنه ويهتم بمعرفته . الإشارة : قال القشيري : الإشارة في الآية إلى أنَّ الغالب في كل زمان غلبة الهوى والطبيعة الحيوانية واستيلاء الحس على الناس ، نفوسهم متمردة . بعيدة من الحق ، قريبة من الباطل ، كلما جاء إليهم رسول كذّبوه ، وعلى ما جاء به قاتلوه ، فحقَّ عليهم عذابُ ربهم ، لَمَّا كفروا نِعَمَه ، فما أعياه إهلاكهم . هـ . قلت : وكذلك جرى في كل زمان ، كل مَن أَمَر الناس بإخراجهم عن عوائدهم ، ومخالفة أهوائهم ، رفضوه وعادوه ، فقلَّ بسبب ذلك المخلصون ، وكثر المخلطون ، فإذا قالوا : لا يمكن الإخراج عن العوائد ، قلنا : القدرة صالحة ، قال تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } وهو إحياء القلب الميت ، فيجدّد إيمانه ، وتحيا روحه حياة سرمدية . وبالله التوفيق . ثم إنَّ عادته تعالى في التنزيل : أنه مهما ذكر دلائل قدرته ذكر بإثره شأن علمه ، أو بالعكس ، إشارة إلى إسناد كل المقدورات إليه تعالى ، ردًّا على الطبائعيين لأنّ الفاعل بالطبيعة لا يتوفق على العلم ، ولذلك قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } .