Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 50-55)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { فَفِرُّوا إِلى الله } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي : إذا كان الأمر كما ذكر من شؤونه تعالى في إهلاك مَن تعدى الحدود ، ففِروا إلى الله بالإيمان والطاعة ، كي تنجوا من غضبه ، وتفوزوا بثواب ، أو : ففِرُّوا من الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، أو : من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن ، { إِني لكم منه نذير مبين } تعليل للأمر بالفرار إلأيه تعالى ، فإنَّ كونه صلى الله عليه وسلم منذراً منه تعالى ، لا من تلقاء نفسه ، موجب للفرار ، وفيه وعد كرمي بنجاتهم من الهروب ، وفوزهم بالمطلوب ، { ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر } هو نهي موجبٌ للفرار من سبب العقاب ، بعد الأمر بالفرار من نفس العقاب ، كما يُشعر به قوله تعالى : { إِني لكم منه } أي : من الجعل المنهي عنه { نذير مبين } كأنه قيل : ففرُّوا إلى الله من عقابه ، ومن سببه ، وهو جعلكم مع الله إلهاً آخر . { كذلك } أي : الأمر ما ذكر من تكذيبهم الرسول ، وتسميتهم له ساحراً أو مجنوناً ، ثم فسر ما أجمل بقوله : { ما أتي الذين مِن قبلهم } من قبل قومك { مِن رسولٍ } من رسل الله { إلا قالوا } في حقه : هو { ساحرٌ أو مجنون } فرموهم بالسحر والجنون لجهلهم ، { أتَواصَوا به } الضمير للقول ، أي : أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول ، حتى قالوه جميعاً متفقين عليه ، { بل هم قومً طاغون } أي : لم يتواصوا به لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد ، بل جمعتهم العلة الواحدة ، وهي الطغيان ، { فتولَّ عنهم } أي : أعرِضْ عن الذين كرّرت عليهم الدعوة ، فلم يجيبوا عناداً ، { فما أنت بملومٍ } فلا لوم عليك في إعراضك بعدما بلّغت الرسالة ، وبذلت مجهودك في البلاغ والدعوة . { وذَكِّرْ } وَعِظ بالقرآن { فإِنَّ الذكرى تنفعُ المؤمنين } الذي قدّر الله سبحانه وتعالى إيمانهم ، أو آمنوا بالفعل ، فإنها تزيدهم بصيرة وقوة في اليقين والعلم . وبالله التوفيق . الإشارة : الفرار إلى الله يكون من خمسة أشياء : من الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة بالتوبة ، ومن الغفلة إلى اليقظة بدوام الذكر ، ومن المقام مع العوائد والحظوظ إلى الزهد بالمجاهدة وخرق العوائد ، ومن شهود الحس إلى شهود المعنى ، وهو مقام الشهود . وفي القوت : { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الفَرْد ، { ففروا إلى الله } أي : من الأشكال والأضداد إلى الواحد الفرد . وفي البخاري : " معناه : من الله إليه " . قال القشيري : ارجعوا إلى الله ، والإشارة إلى حالتين ، إما رغبة في شيء ، أو رهبة من شيء ، أو حالي خوف ورجاء ، أو طلب نفع أو دفع ضر ، وينبغي أن يفر من الجهل إلى العلم ، ومن الهوى إلى التقوى ، ومن الشك إلى اليقين ، ومن الشيطان إلى الله ، ومِن فعله الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته ، ومن وصفه الذي هو سخطه ، إلى وصفه الذي هو رحمته ، ومن نفسه ، حيث قال : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ] إلى نفسه ، حيث قال : { ففروا إلى الله } . هـ . ونقل الورتجبي عن الخراز ، فقال : أظهر معنى الربوبية والوحدانية ، بأن خلق الأزواج فتخلُص له الفردانية ، فلما تبين أن أشكال الأشياء تواقع علة الفناء دعا العباد إلى نفسه لأنه الباقي ، وغيره فانٍ ، بقوله : { ففروا إلى الله } أي : ففروا مِن وجودكم ، ومِن الأشياء كلها ، إلى الله بنعت الشوق والمحبة والتجريد عما سواه . هـ . ولمَّا أمرهم بالفرار إليه ، أَعْلَم أنه ما خلقهم إلا لذلك ، فقال : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ } .