Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 41-45)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { يُعْرَفُ المجرمون } أي : الكفرة { بسيماهم } بسواد وجوههم ، وزُرقة عيونهم ، أو : بما يعلوهم من الكآبة والحزن . قيل : هو تعليل لقوله : { فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان } أي : لا يُسألون لأنهم معروفون ، { فيُؤخذُ بالنواصي والأقدام } أي : يُجمع بين نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من وراء ظهورهم ، وقيل : تسحبهم الملائكةُ ، تارة يُأخذ بالنواصي ، وتارة بالأقدام ، فالجار نائب الفاعل ، { فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان } فإنَّ التخويف من هذه الأهوال قبل وقوعها من أجلّ النعم ليقع الزجر عما يُؤدي إليها . { هذه جهنمُ التي يُكذِّب بها المجرمون } أي : يُقال لهم : هذه جهنم التي كذبتم بها ، توبيخاً وعقاباً ، { يطوف بينهما وبين حميمٍ آنٍ } أي : بالغ من الحرارة أقصاها ، فالحميم : المار الحار ، " والآنِ " : البالغ في الحرارة ، فهم يُعذّبون بين الحرق بالنار وشرب الحميم الحار . قال كَعْب : إن وادياً من أودية جهنم ، يجتمع فيه صديد أهل النار ، ينغمسون بأغلالهم فيه ، حتى يخلع أوصالهم ، ثم يُخرجون منها ، وقد أحدث اللّهُ لهم خلقاً جديداً ، فيُلقون في النار ، فذلك قوله تعالى : { يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ } ، { فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان } ، وقد تقدّم تفسير كون هذا نِعماً مراراً . الإشارة : فسَّر القشيري " المجرمون " هنا بطائفتين ، الأولى : المتشدقون من علماء الكلام ، الذي يتكلمون في ذاته وصفاته وأفعاله بما ليس لهم به علم ، ويُجادلون أربابَ الكشف والشهود بسبب علومهم الجدلية ، ويفوهون بقوة الجبهة وصلابة الناصية ، فلا شك أنهم يُجرون على ناصيتهم في نار البُعد والطرد عن مراتب أهل العرفان . الطائقة الثانية : المتصوفة الجاهلة ، المنقطعون عن الطريق المستقيم ، والمنهج القويم ، بسبب دخولهم في هذه الطريق بالتقليد ، من غير إذن شيخ كامل ، واصِلٍ مُوصِل ، فلا شك أنهم يخرجون بأقدامهم المُعْوَجة عن سلوك طريق الحق إلى نار البُعد والقطيعة . هـ . بالمعنى . والسيما التي يُعرفون بها ، إما علو النفس ، وغِلظة الطبع ، وطلب الجاه ، وإما قلقة اللسان ، وإظهار العلوم ، فالعارف الكامل بعكس هذا كله ، متواضع ، سهل ، لَيِّن ، الخفاء أحب إليه من الظهور ، لسان حاله أفصح من مقاله . ثم قال تعالى : { هذه جهنم التي يُكذِّب بها المجرمون } المتقدمون ، لأنهم ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا . وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً ، { يطوفون بينها } أي : بين نار القطيعة وحميم التدبير والاختيار ، مِن هَمّ الرزق ، وخوف الخلق ، وغم الحجاب : نسأل الله العصمة بمنِّه وكرمه . ثم شفع بأضدادهم ، فقال : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } .