Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-40)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وأصحابُ اليمين ما أصحابُ اليمين } استفهام تعجيب ، تفخيماً لحالهم ، وتعظيماً لشأنهم ، ثم ذكر نعيمهم فقال : { في سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } والسدر : شجر النبق ، والمخضود : الذي لا شوك له ، كأنه خُضِد شوكه ، أي : قُطع ، أي : ليس هو كسِدر الدنيا ، وقيل : مخضود ، أي : ثنى إغصانه من كثرة حمله ، من خَضَدَ الغصن : إذا ثناه وهو رطب . قال ابن جُبَيْر : ثمرها أعظم من القلال ، وثمار الجنة كلها بادية ، ليس شيء منها في غلاف . رُوي أنَّ المسلمين نظروا إلى وادٍ بالطائف مخصب ، فأعجبهم سِدرها ، وقالوا : يا ليت لنا مثله في الجنة ، فنزلت ، وقال أمية بن أبي الصلت في وصف الجنة : @ إنَّ الحَدائِقَ في الجِنان ظَلِيلةٌ فيها الكواعِبُ ، سِدْرُهَا مَخْضُودُ @@ { وطَلْحٍ مَّنضُودٍ } الطلح : شجرة الموز ، والمنضود : الذي نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه ، فليست له ساق بارزة ، وفي جامع العُتْبية عن مالك ، قال : بلغني أنّ الطلح المنضود ، المذكور في الآية ، هو الموز ، وهو مما يشبه ثمار الجنة ، لقوله تعالى : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } [ الرعد : 35 ] ، والموز يؤكل في الشتاء والصيف . هـ . { وظِلّ ممدودٍ } منبسط ، لا يتقلص ولا ينقطع ، كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس . { وماءٍ مسكوبٍ } جارٍ بلا أُخدود ، يُسْكَب لهم أين شاؤوا ، وكيف شاؤوا ، بلا تعب . { وفاكهةٍ كثيرةٍ } بحسب الأنواع والأجناس ، { لا مقطوعةٍ } لا تنقطع في بعض الأوقات ، كفواكه الدنيا ، بل هي دائمة ، { ولا ممنوعةٍ } عن تناولها بوجه من الوجوه ، أو : لا يحظر عليها ، كبساتين الدنيا ، أو : لا مقطوعة بالأزمان ، ولا ممنوعة بالأثمان . { وفُرُشٍ مرفوعةٍ } رفيعة القدر ، أو : مرفوعة على الأسرَّة ، وارتفاع السرير خمسمائة سنة ، وقيل : كنّى بالفُرُش عن النساء لأنَّ المرأة يُكنّى عنها بالفراش ، مرفوعة على الأرائك ، قال تعالى : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِى ظَلاَلٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } [ يس : 65 ] ، ويؤيده قوله : { إِنَّا أنشأناهن إِنشاءً } أي : ابتدأنا خلقهن ابتداءً من غير ولادة . فإما أن يُراد : اللاتي ابتدئ إنشاؤهن ، وهن الحور ، أو : اللاتي أُعيد إنشاؤن ، وهن نساء الدنيا ، وعلى غير هذا التأويل أضمر لهنّ لأنّ ذكر الفُرش ، وهي المضاجع ، دلَّ عليه . { فجعلناهن أبكاراً } أي : عذارى ، كلما أتاهنَ أزواجهنَ وجدوهنَ أبكاراً . { عُرُباً } جمع عَرُوب ، وهي المحبّبة لزوجها ، الحسنة التبعُّل ، { أتراباً } : مستويات في السنّ ، بنات ثلاثٍ وثلاثين ، وأزواجهنّ كذلك . { لأصحاب } أي : أنشأناهن أصحاب { اليمين } . { ثُلةٌ } أي : أصحاب اليمين ثلة : جماعة كثيرة { من الأولين } ، { وثُلة } وجماعة كثيرة { من الآخرِين } فالسابقون كثيرون من الأولين وقليل من الآخرين ، وأصحاب اليمين كثيرون من الأولين والآخرين . هذا المتعين في تفسير الآية . والله تعالى أعلم . الإشارة : أصحاب اليمين هم أهل الحجاب ، المحصورون في سجن الأكوان ، المحيط بهم دوائر حسهم ، من العُبّاد والزُهّاد ، والعُلماء بالشرائع ، والصالحين الأبرار ، وعامة المسلمين . هم في سدر مخضود كثرة الأعمال المخضودة من شوك الرياء والعجب ، المنزهة من الفتور والقصور ، وطلح منضود حلاوة الطاعات ، وتحقيق المقامات ، وظِلٍّ ممدود ظل راحة القناعة لمَن أُعطيها ، وروح الرضا والتسليم لمَن منحه . وماء مسكوب عِلْم التوحيد البرهاني أو الإلهامي ، وفاكهة كثيرة : حلاوة المناجاة ، وظهور الكرامات ، ولذة التفنُّن في العلوم الرسمية ، لا مقطوعة ولا ممنوعة لمَن رسخ فيها . وفُرش مرفوعة تفاوت درجاتهم على حسب أعمالهم : إنّا أنشأناهن إنشاءً ، لكل فريق مما تقدم ، زيادة في عمله ، أو علمه ، أو زهده ، على ما يليق بحاله ، فكل صنفٍ له تَرقٍّ في فنه وزيادة في محله . فجعلناهن أبكاراً لأن كل زيادة تكون جديدة لم يعهدها صاحبها ، عُرباً يعشقها وتعشقه ، أتراباً ، تكون على قدر حاله وفهمه وذوقه . هذا لعامة أصحاب اليمين ، وهم كثيرون ، سَلفاً وخَلفاً . ثم ذكر أصحاب الشمال ، فقال : { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } .