Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 12-13)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا إِذا ناجيتم الرسولَ } أي : إذا أردتم مناجاته في بعض شؤونكم المهمة ، { فقدِّموا بين يدي نجواكم } أي : قبل نجواكم { صدقة } وهي استعارة ممن له يدان ، كقول عمر رضي الله عنه : " من أفضل ما أوتيت العرب الشِعر ، يقدّمه الرجل أما حاجته ، فيستمطر به الكريم ، ويستنزل به اللئيم " يريد : قبل حاجته . وفي هذا الأمر تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانتفاع الفقراء ، والزجر عن الإفراط في مناجاته وسؤاله عليه الصلاة والسلام ، والتمييز بين المخلِص والمنافق ، وبين مُحب الآخرة ومُحب الدنيا ، وهل الأمر للندب ، أو للوجوب لكنه نسخ بقوله : { أأشفقتم … } الخ ؟ وعن عليّ رضي الله عنه : " إنَّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحدٌ غيري ، كان لي دينار فصرّفته فكنت إذا ناجيته صلى الله عليه وسلم تصدّقت به " . وقال أيضاً : " أنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين " ، قال رضي الله عنه : فَهِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنّ هذه العبادة قد شقّت على الناس ، فقال : " يا عليّ كم ترى حدّ هذه الصدقة ؟ أتراه ديناراً ؟ " قلت : لا ، قال : " فنصف دينار " ؟ قلت : لا ، قال : " فكم " ؟ قلت : حبة من شعير ، قال : " إنك لزهيد " فأنزل الله الرخصة " . قال الفخر : قوله صلى الله عليه وسلم لعليّ : " إنك لزهيد " معناه : إنك قليل المال ، فقدّرتَ على حسب حالك . وفي رواية : " شعيرة من ذهب " ، فقال : إنك لزهيد " أي : مُصعِّر مقلِّل للدنيا . قاله في القوت . { ذلك } التقديم للصدقة { خير لكم } في دينكم { وأطهرُ } لنفوسكم من رذيلة البُخل ، ولأنَّ الصدقة طُهرة . { فإِن لم تجدوا } ما تتصدقون به { فإِنَّ الله غفور رحيم } في ترخيص المناجاة من غير صدقة . قيل : كان ذلك عشر ليال ، ثم نُسِخَ ، وقيل : ما كان إلاَّ ساعة من نهار . و " عن عليّ - كرّم الله وجهه - أنه قال : سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن عشر مسائل ، فأجابني عنها ، ثم نزل نسخ الصدقة ، قلت : يا رسول الله ما الوفاء ؟ قال : " التوحيد وشهادة أن لا إله إلاّ الله " قلت : وما الفساد ؟ قال : " الكفر والشرك بالله " قلت : وما الحق ؟ قال : " الإسلام ، والقرآن والولاية إذا انتهت إليك " قلت : وما الحيلة ؟ قال : " ترك الحيلة " ، قلت : وما عَلَيَّ ؟ قال : " طاعة الله وطاعة رسوله " ، قلت : وكيف أدعو الله تعالى ؟ قال : " بالصدق واليقين " قلت : وماذا أسأل الله ؟ قال : " العافية " قلت : وما أصنع لنجاة نفسي ؟ قال : " كلْ حلالاً ، وقل صدقاً " قلت : وما السرور ؟ قال : " الجنة " قلت : وما الراحة ؟ قال : " لقاء الله " فلما فرغت منها نزل نسخ الصدقة . { أأشفقتم أن تُقَدِّموا بين يَدَيْ نجواكم صدقاتٍ } أي : أَخِفْتُم الفقرَ مِن تقديم الصدقات ، أو : أَخِفْتُم من هذا الأمر لِما فيه من الإنفاق الذي تكرهه النفوس ، { فإِذ لم تفعلوا } ما أُمرتم به وشقّ عليكم ، { وتاب اللهُ عليكم } أي : خفّف عنكم ، وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة ، كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه ، { فأقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاة } أي : فإذا فرَّطتم فيما أُمرتم به من تقديم الصدقات ، فتداركوه بالمثابرة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، { وأطيعوا اللهَ ورسولَه } في سائر الأوامر ، فإنَّ القيام بها كالجابر لِما وقع في ذلك من التفريط ، { واللهُ خبير بما تعملون } ظاهراً وباطناً ، وهو وعدٌ ووعيد . الإشارة : إذا أردتم مناجاة المشايخ في زيارتكم ، فقدِّموا بين يدي نجواكم صدقة ، تُدفع للشيخ ، أو لأهل داره ، فإنها مفتاح لفيض المواهب ، مثالها كالدلو ، لا يمكن رفع الماء إلاَّ به ، ذلك خير لكم ، وأطهر لقلوبكم من رذيلة من البخل ، فإن لم تجدوا شيئاً فإن الله غفور رحيم . أأشفقتم أن تُقدِّموا بين يدي نجواكم صدقات لِثَقَلِ ذلك على النفس ؟ فإذ لم تفعلوا وزُرتم بلا صدقة ، وقد تاب الله عليكم من هذا التفريط ، فأقيموا صلاة القلوب ، وهو التعظيم ، ودوام العكوف في حضرة علاّم الغيوب ، وآتوا زكاة أبدانكم ، بإجهادها في خدمة المشايخ والإخوان ، وأطيعوا الله ورسوله وخلفاءه فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه ، { والله خبير بما تعملون } . ثم رجع إلى عتاب المنافقين ، فقال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً } .