Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 6-7)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : جملة { وما أفاء } : شرطية معطوفة على مثلها ، وهو : { ما قطعتم … } الآية ، وكلتاهما إخبار وإعلام ، أي : اعلموا أن ذلك القطع والترك كان بإذن الله ، وذلك الفيء كان بتسليط الله لا بسعيكم ، لكنه لم يُعلم منه كيفية القسمة ، فبيّنها بعدُ بقوله : { وما أفاء الله على رسوله … } الخ ، وقيل : غير ذلك على ما سيأتي . يقول الحق جلّ جلاله : { وما أفاء الله على رسوله منهم } أي : ما أعاده الله من مالهم ، وفيه إشعار بأنه كان حقيقاً بأن يكون له صلى الله عليه وسلم ، وإنما وقع في أيديهم بغير حق ، فردّه الله تعالى إلى مستحقه ، لأنه تعالى خلق الناس لعبادته ، وخَلَقَ ما خَلَقَ ليتوسَلوا به إلى طاعته ، فهو جديرٌ بأن يكون للمؤمنين . { فما أوجفتمْ عليه } أي : فما أجريتم على تحصيله وتغنيمه ، من : الوجيف ، وهو : سرعة السير ، و " مِن " في قوله : { مِن خَيْلَ ولا رِكابٍ } زائدة لتأكيد النفي ، أي : فما أجريتم على تحصيله خيلاً ولا ركاباً ، وهو ما يركب من الإبل خاصة ، كما أنَّ الراكب عندهم راكبها لا غير ، وأمّا راكب الفرس فإنما يُسمونه فارساً ، ولا واحد لها من لفظها ، وإنما الواحد منها : راحلة . والمعنى : ما قطعتم لها شقةً بعيدة ، ولا لقيتم مشقة شديدة ، وذلك لأن قُراهم كانت على ميلين من المدينة ، فمشوا إليها مشياً ، وما كان فيهم إلاَّ النبي صلى الله عليه وسلم فَفَتَحَها صُلحاً ، كأنه قيل : ما أفاء الله على رسوله فما حصَّلتموه بكد اليمين ولا بعرق الجبين ، { ولكنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رسلَه على مَن يشاء } أي : ولكن جرت سنّة الله أن يُسلّط رسلَه على مَن يشاء من أعدائهم ، وقد سلّط رسولَه صلى الله عليه وسلم تسليطاً غير معتاد من غير أن تقتحموا الخطوب ، وتُقاسموا شدائد الحروب ، فلا حقّ لكم في أموالهم . { واللهُ على كل شيء قدير } يفعل ما يشاء ، تارة على الوجوه المعهودة ، وأخرى على غيرها . ثم بيّن قسمة الفيء ، فقال : { ما أفاء اللهُ على رسوله من أهل القُرى } ، فلم يدخل العاطف لأنَّ الجملة بيان للأولى ، وقيل : الأولى نزلت في أموال بني النضير ، وقد جعلها الله لرسوله خاصة ، فقسمها على المهاجرين ، ولم يُعط الأنصارَ منها ، إلاّ لثلاثة ، لفقرهم ، أبو دُجانة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة ، والثانية : نزلت في كل قريةٍ فُتحت عنوة ، وهو الظاهر ، فقال في بيان مصرف الفيء : { فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . واختلف في قسمته ، فقيل : يُسدس لظاهر الآية ، ويُصرف سهم الله إلى عمارة الكعبة وسائر المساجد ، وقيل : يُخمس ، وذكر الله للتعظيم ، ويُصرف سهم الرسول للإمام على قولٍ ، وإلى العساكر والثغور على قولٍ ، وإلى مصالح المسلمين على قولٍ . وقد تقدّم في سورة الأنفال تحقيقه . وإنما بيّنا قسمته ، { كي لا يكون دُولَة } أي : كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يكون للفقراء يعيشون به { دُولة بين الأغنياء منكم } أي : يتداوله الأغنياء بينهم ، ويختصُّون به . والدولة : ما يدول للإنسان ، أي : ما يدور له من الغنى والجدّ والغلبة وغيرها ، وقيل : الدولة - بالفتح - من المُلك ، وبالضم من المِلك - بالكسر - . { وما آتاكم الرسولُ } أي : ما أعطاكموه من الفيء أو من الأمر ، { فَخُذوه } فاقبلوه ، أو : افعلوه ، فإنه واجب ، { وما نهاكم عنه } أي : عن أخذه ، أو عن تعاطيه { فانتهوا } عنه ، ولا تطلبوه ، أو : لا تفعلوه ، لَمَّا خصّ عليه السلام المهاجرين بفيء بني النضير وما حولها من القرى ، قالت الأنصار : لنا معهم سهم ، فنزلت { واتقوا الله } في مخالفته عليه السلام ، { إنَّ الله شديدُ العقاب } لمَن خالف رسولَه صلى الله عليه وسلم ، والأحسن : أن يكون عاماً في كل ما جاء به الرسول ، والفيء داخل في العموم . الإشارة : العلم على قسمين علم وهبي إلهي ، يفيض على رسول القلب ، بمحض الفضل والجود ، وهو ما يختص بأسرار الربوبية فهذا يختص به صاحبه ، ولا يبذله لغيره إلاّ مَن بذل نفسه له ، وإليه تُشير الآية الأولى . وعلم كسبي ، يُكتسب بالجد والتشمير في تعلُّمه وأخذه ، فهذا يجب بذله لعامة الناس وخاصتهم ، وإليه تشير الآية الثانية . وإنما اختص علم السر بأهله كي لا يكون دُولة بين الأغنياء من أهل الظاهر ، فيُبتذل ويُشتهر ، وهو فساد نظام العالم . وقوله تعالى : { وما آتاكم الرسولُ فخُذوه } قال القشيري : هذا أصل في وجوب متابعة الرسول ، ولزوم طريقته وسنته ، على ما في العلم تفصيله . والواجبُ على العبد عَرْضُ ما وقع له من الخواطر ، ويُكاشَفُ به من الأحوالِ ، على العلم ، فما لم يقبله الكتاب والسنّة فهو ضلال . هـ . ثم بيّن المساكين المذكورين قبلُ ، فقال : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } .