Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 116-117)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { من يضل } : موصولة ، أو موصوفة في محل نصب بفعل دل عليه { أعلم } ، أي : يعلم من يضل ، فإن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا . أو مبتدأ ، والخبر : { يضل } على أن { من } استفهامية ، والجملة : معلق عنها الفعل المقدر ، كقوله تعالى : { لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى } [ الكهف : 12 ] . يقول الحقّ جلّ جلاله : لرسوله عليه الصلاة والسلام ولمن كان على قدمه : { وإن تُطع أكثر من في الأرض } من الكفار أو الجهال أو من اتبع هواه { يضلوك عن } طريق { الله } ، الموصلة إلى معرفته ، وحلول رضوانه ، فإن الضال لا يأمر إلا بما هو فيه ، مقالاً أو حالاً . والمراد بهم : من لا يقين عندهم ، بل { إن يتبعون إلاَّ الظن } ، وهو ما استحسنته عقولهم ، إما تقليدًا ، كظنهم أن آباءهم كانوا على الحق ، أو ما ابتدعوه برأيهم الفاسد من العقائد الزائفة والآراء الفاسدة ، { وإن هم إلا يخرصون } أي : يكذبون على الله فيما ينسبون إليه كاتخاذ الولد ، وجعل عبادة الأوثان وصُلة إلى الله ، وتحليل الميتة وتحريم البحائر ، أو يقدّرون في عقولهم أنهم على شيء ، وكل ذلك عن تخمين وظن لا يقين فيه ، ثم قال لنبيه : { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين } أي : هو عالم بالفريقين ، لا يخفى عليه أهل الحق من أهل الباطل . الإشارة : مخالطة العموم والركون إليهم والمعاملة معهم سموم قاتلة ، قال بعض الصوفية : قلت لبعض الأبدال : كيف الطريق إلى التحقيق والوصول إلى الحق ؟ قال : لا تنظر إلى الخلق ، فإن النظر إليهم ظلمة ، قلت : لا بد لي ، قال : لا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة ، قلت : لا بُد لي ، قال : فلا تعاملهم ، فإن معاملتهم خسران وحسرة ووحشة ، قلت : أنا بين آظهرهم ، لا بد لي من معاملتهم ، قال : لا تسكن إليهم فإن السكون إليهم هلكة ، قلت : هذا لعله يكون ، قال : يا هذا ، تنظر إلى اللاعبين ، وتسمع إلى كلام الجاهلين ، وتعامل البطَّالين ، وتسكن إلى الهلكى ، وتريد أن تجد حلاوة المعاملة في قلبك مع الله عز وجل ! ! هيهات ، هذا لا يكون أبدًا . هـ . وفي الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخوَفُ ما أخافُ على أمَّتِي ضَعفُ اليَقِين " وإنما يكون برؤية أهل الغفلة ومخالطة أرباب البطالة والقسوة ، وتربية اليقين وصحته إنما تُكتسب بصحبة أهل اليقين واستماع كلامهم ، والتودد إليهم وخدمتهم . وفي بعض الأخبار : تعلموا اليقينَ بمجالسةِ أهل اليقين ، وفي رواية : " فَإنَّي أتعلَّمُه " ، والحاصل : أن الخير كله في صحبة العارفين الراسخين في عين اليقين . أو حق اليقين ، وما عداهم يجب اعتزالهم ، كيفما كانوا ، إلا بقصد الوعظ والتذكير ، ثم يغيب عنهم ، وإلى هذا أشار ابن الفارض رضي الله عنه بقوله : @ تَمَسّك بأذيالِ الهَوَى واخلعَ الحَيَا وخَلّ سَبِيلَ النَّاسِكينَ وإن جَلُّوا @@ وبالله التوفيق . وأصل تنوير القلب باليقين والمعرفة : هو أكل الحلال وتجنب الحرام ، كما بيّنه الحق تعالى بقوله : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } .