Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 118-121)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { فكلوا مما ذُكر اسم الله عليه } عند ذبحه ، ولا تتورعوا منه ، { إن كنتم بآياته مؤمنين } ، فإن الإيمان يقتضي استباحة ما أحل الله تعالى ، واجتناب ما حرمه ، { وما لكم ألاَّ تأكلوا مما ذُكر اسم الله عليه } أي : ما يمنعكم منه ، وأيّ غرض لكم في التحرُّج عن أكله ؟ . { وقد فصَّل لكم } في الكتاب ، أو فصَّل الله لكم { ما حرم عليكم } مما لم يحرم بقوله : { حُرِمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ … } [ المَائدة : 3 ] الآية { إلا ما اضطررتم إليه } مما حرم عليكم فإنه حلال حال الضرورة . { وإنَّ كثيرًا ليُضلون } بتحليل الحرام وتحريم الحلال { بأهوائهم } أي : بمجرد أهوائهم { بغير علم } ولا دليل ، بل بتشهي أنفسهم ، { إن ربك هو أعلم بالمعتدين } المجاوزين الحق إلى الباطل ، والحلال إلى الحرام ، { وذَرُوا } أي : اتركوا { ظاهرَ الإثم وباطنه } أي : سره وعلانيته ، أو ما يتعلق بالجوارح والقلب ، { إن الذين يكسبون الإثم } سرًا أو علانية ، { سيُجزون بما كانوا يقترفون } يكتسبون . ولما أمرهم بأكل الحلال نهاهم عن الحرام ، فقال : { ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه } ، بأن ترك التسمية عليه عمدًا لا سهوًا كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة . وقال الشافعي : تؤكل مطلقًا ، لقوله عليه الصلاة والسلام ـ : " ذَبِيحَةُ المُسلِم حَلالٌّ وإن لَم يُذكَر اسمُ اللهِ عَلَيهِ " ، وقال أحمد وداود : لا تؤكل إن تركت مطلقًا ، عمدًا أو سهوًا . وقال ابن جزي : إنما جاء الكلام في سياق تحريم الميتة وغيرها مما ذُبح للنُصب ، فإن حملناه على ذلك لم يكن فيه دليل على وجوب التسمية في ذبائح المسلمين ، وإن حملناه على عمومه كان فيه دليل على ذلك . وقال عطاء : هذه الآية أمر بذكر الله على الذبح والأكل والشرب . هـ . { وإنه } أي : الأكل مما لم يُذكر اسم الله عليه { لفسق } أو : وإنه أي : عدم ذكر اسم الله على الذبيحة ، لفسق ومن تزيين الشياطين ، { إن الشياطين ليُوحون } ليوسوسون { إلى أوليائهم } من الكفار { ليُجادلوكم } بقولهم : إنكم تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله الله . وهذا يؤيد أن المراد بما لم يذكر اسم الله عليه هو الميتة ، { وإنْ أطعتموهم } في استحلال ما حرمتُ عليكم ، { إنكم لمشركون } مثلهم ، لأن مَن أحلّ ما حرّم الله فقد كفر ، والجواب عن شبهتهم : أن الذكاة تطهير لخبث الميتة ، مع ضرب من التعبّد . الإشارة : ليس المراد من التسمية على الطعام أو غيره مجرد اللفظ ، وإنما المراد حضور المسمى ، وهو شهود المنعم في تلك النعمة لأن الوقت الذي يغلب فيه حظ النفس ، ينبغي للذاكر المتيقظ أن يغلب فيه جانب الحق ، فيكون تناوله لتلك النعمة بالله من الله إلى الله ، وهذا هو المقصود من الأمر بذكر اسم الله ، لأن الاسم عين المسمى في التحقيق ، فإن كان الأكل أو غيره مما شرعت التسمية في أوله ، على هذا التيقظ ، فهو طائع لله وعابد له في أكله وشربه ، وسائر أحواله ، وإن كان غافلاً عن هذا ، فأكله فسق ، قال تعالى : { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيهِ وَإنَّهُ لَفسقٌ } ، سبب ذلك : غلبة الغفلة . والغفلة من وحي الشيطان ، { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } . أو : ولا تنظروا إلى الأشياء بعين الفرق والغفلة ، بل اذكروا اسم الله عليها وكلوها بفكرتكم { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله } عليه من الأشياء فإنه غفلة وفسق في الشهود ، وقوله تعالى : { وَذَرُوا ظاهِرَ الإثمِ } هو ما ظهر على الجوارح من الذنوب ، وقوله : { وباطنه } هو ما كمن في السرائر من العيوب . والله تعالى أعلم . ثم حذر من الشرك والكفر ، فقال : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ } .