Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 46-47)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } لهم أيضًا : { أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } أي : أصمَّكم وأعماكم ، { وختم على قلوبكم } بأن غطى عليها بما يزول به عقلكم وفهمُكم ، { مَن إله غير الله يأتيكم به } أي : بذلك المأخوذ . { انظر كيف نُصرف الآيات } أي : نُكررها على جهات مختلفة ، كتصريف الرياح ، تارة من جهة المقدمات العقلية ، وتارة من جهة الترغيب والترهيب ، وتارة بالتنيبة والتذكير بأحوال المتقدمين ، { ثم هم يصدفون } أي : يعرضون عنها ولم يلتفتوا إليها ، و { ثُم } : لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها . و { قل } لهم أيضًا : { أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة } من غير مقدمة { أو جهرة } بتقديمها ، فالبغتة : ما لم يتقدم لهم به شعور ، والجهرة : ما قدمت لهم مخايله ، وقيل : بغتة بالليل ، وجهرة بالنهار ، { هل يُهلك } أي : ما يُهلك به هلاك سخط وتعذيب ، { إلا القوم الظالمون } بالكفر والمعاصي . الإشارة : إنما خلق الأسماع والأبصار ، لسماع الوعظ والتذكار ، ولنظرة التفكر والاعتبار ، فمن صرفهما في ذلك فقد شكر نعمتهما ، ومن صرفهما في غير ذلك فقد كفر نعمتهما ، ومن كفر نعمتهما يوشك أن تؤخذ منه تلك النعمة ، وكذلك نور العقل ، ما جعله الله في العبد إلا ليعرفه به ، ويعرف دلائل توحيده ، ويتبصرّ به في أمره . فإذا صرفه في تدبير هواه وشهواته فقد كفر نعمته ، فيوشك أيضًا أن يؤخذ منه . وإذا أنعم الله عليه باستعمال هذه الحواس فيما خلقت لأجله فليكن على حذر من أخذ ذلك منه أيضًا ، فلا يأمن مكر الله ، فإن الأسماع والأبصار والقلوب بيد الله ، يُقلبها كيف شاء ، فإن أخذها لن يقدر على ردها ، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره ، ولا يكون مع غير الله قراره ، والعذاب الذي يأتي بغتة ، هو السلب بغتة ، أي : فقد القلب في مرة واحدة ، والذي يأتي جهرة هو فقده شيئًا فشيئًا ، وسبب هذا الهلاك : هو ظلم العبد لنفسه ، إما بسوء أدب مع الله ، أو نقض عهد الشيوخ العارفين بالله . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . ثم رغَّب في الإيمان بالرسل ، وحذَّر من الكفر بهم ، فقال : { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } .