Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 50-50)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } لهم يا محمد : أنا { لا أقول لكم عندي خزائن الله } فآتيكم منها بكل ما تقترحون عليَّ من المعجزات ، بل خزائن مقدوراته تعالى في علم غيبه ، ليس لي منها إلا ما يُظهره منها بقدرته ، { ولا أعلم الغيب } حتى أخبركم بالمغيبات ، بل مفاتيح الغيب عنده ، لا يعلمها إلا هو ، إلا ما يُوحى إليّ منها ، { ولا أقول لكم إني ملك } فأستغنى عن الطعام والشراب ، أو أقدر على ما يقدر عليه الملك ، إن أنا إلا بشر أوحى إليَّ أن أنذركم ، فأتبع ما يوحى إليّ وأتبرأُ من دعوى الألوهية والملكية ، وأدعي النبوة التي هي من كمالات البشر . { قل } لهم : { هل يستوى الأعمى } الذي هو ضال جاهل ، { والبصير } الذي هو مهتدٍ عالم ، أو : هل يستوي مدعي المستحيل كالألوهية والمَلَكية ومُدَّعي الحق ، كالنبوة والرسالة ، { أفلا تتفكرون } فتميزوا بين ادعاء الحق والباطل ، فتهتدوا إلى اتباع الحق وتجنب الباطل . الإشارة : ما قالته الرسل للكفار حين اقترحوا عليهم المعجزات ، تقوله الأولياء لأهل الإنكار ، حيث يطلبون منهم الكرامات ، وتقول لهم : إن نتبع إلا ما أمرنا به ربنا وسنّه لنا رسولُنا ، فمن اهتدى وتبصر فلنفسه ، ومن عمى فعليها . وقال الورتجبي بعد قوله ـ : { ولا أقول لكم إني مالك } : تواضع صلى الله عليه وسلم حين أقام نفسه مقام الإنسانية ، بعد أن كان أشرف خلق الله من العرش إلى الثرى ، وأظهر من الكروبيين والروحانيين على باب الله سبحانه ، خضوعًا لجبروته ، وخُنوعًا في أنوار ملكوته ، بقوله : { ولا أقول لكم إني ملك } ، وليس لي اختيارٌ في نبوتي ، { إن اتبع إلا ما يوحى إليّ } . هل يكون من هذا وصفه ، بعد كونه بصيرًا بنور الله ، ورأفته به ، كالذي عمي عن رؤية إحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى ؟ أفلا تتفكرون أن من ولد من العدم بصيرًا بنور القدم ، ليس كمن ولد من العدم أعمى عن رؤية عظمته وجلاله . انتهى كلامه . ثم أمره بالإنذار لمن ينتفع به ، فقال : { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ } .