Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-11)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إذا جاءكم المؤمناتُ } إنما حُذفت تاء التأنيث للفصل بالمفعول ، ورُدّ بأنّ الحذف مع الفصل بغير " إلاّ " مرجوح ، والصواب : أنه على حذف الموصوف ، أي : النساء المؤمنات ، وهو اسم جمع ، يجوز في الأمران ، كقوله تعالى : { وَقَالَ نِسْوَةٌ … } [ يوسف : 30 ] . يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمناتُ } أي : مُشْرِفات على الإيمان ونَطَقْن بالشهادة ، وإنما ظهر بعد الامتحان ، { مُهاجراتٍ } من بين الكفار ، { فامْتَحِنُوهن } فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهن للسانهن . كان صلى الله عليه وسلم يستحلفهن : ما خرجن من بُغض زوْج ، ولا رغبة من أرض إلى أرض ، ولا التماسَ دُنيا ، ولا عشقًا لرجل منا بل حبًّا لله ورسوله . وقد كان صلى الله عليه وسلم صالح أهلَ مكة على أنَّ مَنْ أسلم منهم يَرُده إليهم ، فجاءت " سُبيْعَةُ بنت الحارث " مُسْلِمةً بعد الفراغ من الكتاب ، فقال زوجها : اردد عليّ امرأتي ، فنزلت ، فاستحلفها صلى الله عليه وسلم بما تقدّم ، فحلفت ، فلم يردها عليه ، وأعطى مهرها زوجَها ، فتزوجها عمرُ ، فكان صلى الله عليه وسلم يَرُد مَن جاء من الرجال ، ولا يَرُد النساء . وعن ابن عباس : امتحانها : أن تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدًا رسول الله . { اللهُ أعلم بإِيمانهن } ، لأنه المُطّلع على قلوبهن . وفيه إشارة إلى التخفيف في الامتحان ، وأنه ليس المطلوب غايته لتصلوا إلى العلم ، بل ما يحصل به الظن القوي ، وأما العلم فخاص بالله تعالى . { فإِن عَلِمْتُموهن مؤمناتٍ } ، العلم الذي تبلغه طاقتكم ، وهو الظن القوي ، بظهور الأمارات . وتسمية الظن علمًا يُؤذن بأنَّ الظن الغالب ، وما يفضي إليه القياس ، جارٍ مجرى العلم ، وصاحبه غير داخل في قوله : { وَلآ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ } [ الإسراء : 36 ] . قاله النسفي . { فلا تَرْجِعُوهنَّ إِلى الكفار } أي : إلى أزواجهن الكفرة ، { لا هُنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يَحِلُّونَ لهن } ، تعليل للنهي أي : حيث خرجت مسلمة حَرُمت على المشرك . والتكرير إما لتأكيد الحرمة ، أو الأول : لبيان زوال النكاح الأول ، والثاني : لبيان امتناع النكاح الجديد ، ما دام مشركاً ، فإنْ أسلم في عِدتها كان أولى بها . { وآتوهم ما أنفقوا } أي : أعطوا أزواجَهن مثلَ ما دفعوا من المهور ، { ولا جُناحَ عليكم أن تَنكحوهن } ، فإنَّ إسلامهن حالَ بينهن وبين أزواجهن الكفار ، { إِذا آتيتموهن أُجورهنَّ } مهورهن لأنّ المهر أجر البُضْع ، وبه احتجّ أبو حنيفة على ألاّ عِدَّة على المهاجِرة . قال الكواشي : أباح تعالى نكاحهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب لأنَّ الإسلام فرّق بينهن وبين أزواجهن بعد انقضاء العدة ، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي امرأته عند مالك والشافعي وأحمد ، خلافًاً لأبي حنيفة في غير الحامل . هـ . { ولا تُمسكوا بِعِصَم الكوافرِ } ، العصمة : ما يعتصم به من عقدٍ وسبب . والكوافر : جمع كافرة ، وهي التي بقيت في دار الحرب أو : لحقت بدار الحرب مرتدةً ، أي : لا يكن بينكم وبين النساء الكوافر عصمة ولا عُلقة زوجية . قال ابن عباس رضي الله عنه : مَن كانت له امراة كافرة بمكة فلا يعتَدنَّ بها من نسائه لأنَّ اختلاف الدارين قطع عصمتها منه . ولمّا نزلت الآية طلَّق عمرُ رضي الله عنه امرأتين كانتا له بمكة ، قُرَيْبَة بنت أبي أمية ، وأم كلثوم الخزاعية . { واسألوا ما أنفقتم } من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار ، أي : اطلبوه من الكفرة ، { وَلْيَسْألوا ما أنفقوا } من مهور نسائهم المهاجرات ممن تزوجها منا . { ذالكم حُكْمُ الله } أي : جميع ما ذكر في هذا الآية . وقوله : { يحكم بينكم } : كلام مستأنف أو : حال من " حُكم الله " على حذف الضمير ، أي : يحكمه الله ، وجعل الحُكْم حاكماً على المبالغة وقال : " يحكم " مستقبلاً ، مع أن الحكم ماضٍ باعتبار ظهور متعلقة { واللهُ عليم حكيمٌ } يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة . رُوي أنه لمّا نزلت الآية أدّى المؤمنون ما أُمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن من المشركين ، وأبى المشركون أن يردُّوا شيئًا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين ، فنزل قوله تعالى : { وإن فاتكم } أي : سبقكم وانفلت منكم { شيءٌ من أزواجكم إِلى الكفار } أي : أحَدٌ من أزواجكم ، وقرىء به . وإيقاع " شيء " موقعه للتحقير والتعميم ، { فعاقبتم } ، من المعاقبة ، لا من العقوبة ، أي : صرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم ، وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزواجهم ، شبّه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة ، وأداء هؤلاء مهور نساء هؤلاء أخرى ، بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره . { فآتوا الذين ذهبتْ أزواجُهم } منكم إلى الكفار { مثلَ ما أنفقوا } ، تُعطوه من مهر المهاجرة التي تزوجتموها ، ولا تؤتوا زوجها الكافر شيئًا ، أي : ما كنتم تُعطونه للكفار من مهور أزواجهم المهاجرات أعطوه لمَن فاتت زوجته ولحقت بالكفار ، فأزال الله دفعها إليهم ، حين لم يرضوا بحُكمه ، على أنّ هذا حكم قد نُسخ . قال ابن عطية : وهذه الآية كلها قد ارتفع حكمها . هـ . وذكر الكواشي الخلاف في النسخ وعدمه ، وأنَّ رد المال مستمر ، وذكر الخلاف في أنَّ الإنفاق كان على الوجوب أو الندب . هـ . وقيل : معنى " فعاقبتم " من العقوبة ، أي : فأصبتموهم في القتال ، حتى غنمتم ، فأعطوا المسلمين الذين ارتدت زوجاتهم ، ولحقْن بدار الحرب مهورَ زوجاتهم من هذه الغنيمة . قال ابن عباس : خمس نسوة رجعن عن الإسلام ، ولحقن بالمشركين ، من نساء المهاجرين : أم الحكم بنت أبي سفيان ، وكانت عند عياض بن شداد ، وفاطمة بنت أبي أمية ، أخت أم سلمة ، وكانت تحت عمر بن الخطاب ، وعزةُ بنت عبد العزى ، كانت تحت هشام بن العاص ، وأم كلثوم بنت جرول ، كانت تحت عمر أيضًا ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة . هـ . { واتقوا اللهَ الذي أنتم به مؤمنون } أي : احذروا أن تتعدُّوا ما أُمرتم به فإن الإيمان يقتضي فعل ما أمر به صاحبه . الإشارة : يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص ، وهم المشايخ العارفون إذا جاءكم النفوس المؤمنه بطريقكم ، وأرادوا الانخراط في سلككم ، فامتحنونهن هل هي صادقة الطلب ، أو تريد حرفًا من حروف الهوى ، فإن علمتم صدقهن ، فلا تردجعوهن إلى أهل الغفلة ، سيما أهل الإنكار إذ لا يحل مخالطتهم في طريق الخصوص ، وآتوهم من العلوم والمعارف عِوض ما أنفقوا من أنفسهم وأموالهم ، ولاجناح عليكم أن تعقدوا عليهم عقدة الإرادة ، التي هي كعقدة النكاح إذا آتيتموهن أجورهن ، وهو أن تبذلوا لهم ما عندكم من السر ، قدر ما يطيقون ، ومن نقض العهد ورجع عن الإرادة فلا تُمسكوا بعصمته ، وأطلقوه مع نفسه ، فإن سألكم شيئًا مما كان بذل فسلوه عوض ما بذلتم له من العلم ، وإن رجع أحد منكم إلى أهل الإنكار ، ثم جاء أحد منهم إليكم فآتوه من العلم ما آتيتم مَن فرّ منكم ، واتقوا الله الذي توجهتم إليه ، فلا تُعطوا السر مَن لا يستحقه ، ولا تمنعوه من مستحقه . والله تعالى أعلم بأسرار كتابه . ثم ذكر بيعمة النساء ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } .