Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-178)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : أتبعه الشيطانُ : أدركه ، يقال : أتبع القوم : لحقهم ، ومنه : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } [ يُونس : 90 ] ، أي : لحق بني إسرائيل . قاله في الأساس . يقول الحقّ جلّ جلاله : { واتلُ عليهم } على اليهود { نبأَ } أي : خبر { الذي آتيناه آيايِنا } علمًا بكتابنا ، { فانسَلَخ منها } بأن كفر بها ، وأعرض ، { فأَتبعه الشيطانُ } فأدركه { فكان من الغاوين } . قال عبد الله بن مسعود : هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مدين ، داعيًا إلى الله ، فرشاه الملكُ ، وأعطاه المُلك على أن يترك دين موسى ، ويُتابع الملكَ على دينه ، ففعل وأضل الناس على ذلك . وقال ابن عباس : هو رجل من الكنعانيين ، اسمه : " بلعم " ، كان عنده الاسم الأعظم ، فلما أراد موسى قتل الكنعانيين ، وهم الجبارون ، سألوه أن يدعو على موسى باسم الله الأعظم ، فأبى ، فألحوا عليه حتى دعا ألا يدخل المدينة ، ودعا موسى عليه . فالآيات التي أعطيها ، على هذا : اسم الله الأعظم ، وعلى قول ابن مسعود : هو ما علمه موسى من الشريعة . قيل : كان عنده من صحف إبراهيم . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : هو أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وكان قد أُوتي علمًا وحكمة ، وأراد أن يُسلم قبل غزوة بدر ، ثم رجع عن ذلك ومات كافرًا ، وكان قد قرأ الكتب ، وخالط الرهبان ، وسمع منهم أن الله تعالى مرسِلٌ رسولاً في ذلك الزمان ، فَرَجَا أن يكون هو ، فلما بَعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم حسده ، وقال : ما كنت لأؤمن لرسول من ثقيف . قال تعالى : { ولو شئنا لرفعناه } إلى منازل الأبرار { بها } أي : بسبب تلك الآيات وملازمتها ، { ولكنه أخلد إلى الأرض } أي : مال إلى الدنيا وحطامها ، أي : أخلد إلى أرض الشهوات ، { واتبع هواه } في إيثار الدنيا واسترضاء قومه ، أو صيانة رئاسته وجاهه . قال البيضاوي : وكان من حقه أن يقول : ولكنه أعرض عنها ، فأوقع موقعه : { أخلد إلى الأرض واتبع هواه } مبالغةً وتنبيهًا على ما حمله عليه ، وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة . هـ . { فمثله } أي : فصفته التي هي مثلٌ في الخسة ، { كمَثَل الكلب } أي : كصفته في أخس أحواله ، وهو { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } أي : يلهث دائمًا ، سواء حمل عليه بالزجر والطرد ، أو ترك ولم يتعرض له ، بخلاف سائر الحيوانات لضعف فؤاده ، واللهث : إدلاع اللسان من التنفس الشدد ، والمراد : لازم اللهث ، وهو نفي الرفع ووضع المنزلة . قال ابن جزي : اللهث : هو تنفس بسرعة ، وتحريك أعضاء الفم ، وخروج اللسان ، وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات عند الحر والتعب ، وهي حالة دائمة للكلب ، ومعنى " إن تحمل عليه " : أن تفعل معه ما يشق عليه ، من طرد أو غيره ، أو تتركه دون أن تحمل عليه ، فهو يلهث على كل حال . ووجه تشبيه ذلك الرجل به أنه إن وعظته فهو ضال ، وإن لم تعظه فهو ضال ، فضلالته على كل حال . هـ . وقال الواحدي : وذلك أنه زجر في المنام عن الدعاء على موسى ، فلم ينزجر ، وترك عن الزجر ، فلم يهتد . هـ . وقيل . هـ . أن ذلك الرجل خرج لسانه على صدره ، فصار مثل الكلب ، وصورته ولهثه حقيقة . هـ . وفعل به ذلك حين دعا على موسى عليه السلام . وفي ابن عطية : ذكر " المعتمد " أن موسى قتله . قال تعالى : { ذلك مَثَل القوم الذين كذَّبوا بآياتنا } صفتهم كصفة الكلب في لهثه وخسته ، أو كصفة الرجل المشبه به ، لأنهم إن أنذروا لم يهتدوا ، وإن تركوا لم يهتدوا . أو شبههم بالرجل في أنهم رأوا الآيات فلم تنفعهم ، كما أن الرجل لم ينفعه ما عنده من الآيات . وقال الواحدي : يعني : أهل مكة كانوا متمنين هادياً يهديهم ، فلما جاءهم من لا يشكُّون في صدقه كذبوه ، فلم يهتدوا لمَّا تُركوا ، ولم يهتدوا أيضًا لما دعوا بالرسول ، فكانوا ضالين عن الرسول في الحالتين . هـ . { فاقصص القصَصَ } المذكور على اليهود ، فإنها نحو قصصهم ، { لعلهم يتفكرون } تفكرًا يُؤدي إلى الاتعاظ ، فيؤمنوا به ، فإنَّ هذه القصص لا توجد عند من لم يقرأ إلا بوحي ، فيتيقنوا نبوتك . { ساءَ } أي : قبح { مثلاً } مثل { القومُ الذين كذَّبوا بآياتنا } حيث شُبهوا بالكلاب اللاهثة ، { وأنفسَهم كانوا يظلمون } بتعريضها للهلاك . قال البيضاوي : إما أن يكون داخلاً في الصلة ، معطوفًا على { الذين كذبوا } ، بمعنى : الذين جمعوا بين تكذيب الآيات وظلم أنفسهم ، أو منقطعًا عنها ، بمعنى : وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم ، فإن وباله لا يتخطاها ولذلك قدّم المفعول . هـ . { مَن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون } ، هو تصريح بأن الهدى والضلال بيد الله تعالى ، وأنَّ هداية الله يخص بها بعضًا دون بعض ، وأنها مستلزمة للاهتداء ، والإفراد في الأول والجمع في الثاني لاعتبار اللفظ والمعنى ، تنبيهًا على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم ، بخلاف الضالين . والاقتصار في الإخبار عمّن هداه الله بالمهتدي : تعظيمٌ لشأن الاهتداء ، وتنبيه على أنه ، في نفسه ، كمال جسيم ، ونفع عظيم ، لو لم يحصلُ له غيره لكفاه ، وأنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة والعنوان لها . قاله البيضاوي . الإشارة : في الحديث : " أشَدُّ النَّاس عَذَابًا يَومَ القِيَامَةِ عَالِمٌ لَم يَنفَعهُ عِلمُه " والعلم النافع هو الذي تصحبه الخشية والمراقبة والتعظيم والإجلال ، ويوجب لصاحبه الزهد والسخاء والتواضع والأنكسار ، وهو علم التوحيد الخاص ، الذي هو مشاهدة الحق . وقال الورتجبي في قوله : { آتيناه آياتنا فانسلخ منها } : ذكر أنه تعالى أعطاه أياته ، ولو أعطاه قرب مشاهدته ما انسلخ منه ، لأن من رآه أحبه ، ومن أحب استأنس به واستوحش مما سواه ، فمن ذلك تبين أنه كان مستدرجًا بوجدان آياته ، وتصديق ذلك ما أخبر سبحانه من ارتداده عن دينه ، واشتغاله بهواه وعداوة كليمه بقوله : { فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين } ، ولو ذاق طعم حبه لم يلتفت إلى غيره ، مُكِرَ به في الأزل ، فكان مكره مستدامًا إلى الأبد ، فالكرامات الظاهرة عارضه للامتحان بين الأزل والأبد ، وعند الأصل القديم لا يعتبر العرض الطارىء . هـ . وقال في الإحياء : إن بلعم أوتي كتاب الله تعالى فأخلد إلى الشهوات ، فشُبه بالكلب ، أي : سواء أوتي الحكمة أو لم يؤتها فهو يلهث إلى الشهوات . هـ . وفي ذكر قصته تحذير لعلماء هذه الأمة وصلحائها . وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : من أخلدت نفسه إلى أرض الشهوات ، وغلبته عن النهوض إلى الطاعات ، فدواؤه في حرفين ، أحدهما : أن يذكر منّة الله عليه بنعمة الإيمان والإسلام ، ويقيد هذه النعمة بالشكر ، لئلا تفلت من يده ، والثاني : أن يتوجه إلى الله بالتضرع والاضطرار ، آناء الليل والنهار ، وفي رمضان راجيًا الإجابة ، قائلاً : اللهم سَلِّم سَلِّم . فإن أهمل هاتين الخصلتين فالشقاوة لازمة له . هـ . بالمعنى لطول العهد به . وبالله التوفيق . ثم ذكر علامة أهل الضلالة والخسران ، فقال : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } .