Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 57-58)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : نُشُرًا : حال من الرياح ، وهو جمع نشور ، بمعنى ناشر ، ومن قرأ بسكون الشين ، فهو تخفيف منه ، ومن قرأ بفتح النون ، فمصدر في موضع الحال ، بمعنى : ناشرات ، أو مفعول مطلق فإن الإرسال والنشر متقاربان ، ومن قرأه بالباء وسكون الشين فهو جمع بشير ، مخفف ، وأقَلَّت : مشتق من القلة لأن الحامل للشيء يستقله ، وثقالاً : جمع لأن السحاب جمع بمعنى السحائب . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وهو الذي يرسل الرياح } أو الريح نُشْرًا أي : تنشر السحاب ، وتفرقه إلى الأرض التي أراد الله أن تمطر ، أو بشارة بالمطر ، { بين يدي رحمته } أي : قبل نزول المطر ، فهي قدامَه فإن الصبا تثير السحاب ، والشمال تجمعه ، والجنوب تذره ، والدبور تُفرقه . قاله البيضاوي . { حتى إذا أقلَّت } أي : حملت { سحابًا ثِقالاً } بالماء لأنها تحمل الماء فتثقل به ، { سُقناه } أي : السحاب بما اشتمل عليه من الماء ، { لبلدٍ ميِّتٍ } أي : لإحيائه أو لسَقيه بعد يبسه ، كأنه ميت ، { فأنزلنا به } أي : بالبلد ، أو بالسحاب ، أو بالسوق ، أو بالريح ، { الماء } الذي في السحاب ، { فأخرجنا به } أي : بالماء ، { من كل الثمرات } من كل أنواعها وأصنافها ، { كذلك نُخرج الموتى } من القبور ، أي : كما نُحيي البلد بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات { كذلك نُخرج الموتى } من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقُوى الحسية . قاله البيضاوي . وقال ابن جزي : هو تمثيل لإخراج الموتى من القبور بإخراج الزرع من الأرض ، وقد وقع ذلك في القرآن في مواضع منها : { كَذَلِكَ النُّشُورُ } [ فَاطِر : 9 ] ، و { كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } [ قَ : 11 ] . هـ . { لعلكم تذكَّرون } فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على إحياء الموتى ، إذ لا فرق . { والبلدُ الطيب } أي : الأرض الكريمة والتراب الجيد { يَخرج نباتُه } بسهولة ، حسنًا قويًا نضرًا ، { بإذن ربه } أي : بمشيئته وقدرته ، { والذي خبُث } من الأرض كالحرة والسبخة ، { لا يخرج إلا نَكِدًا } قليلاً عديم النفع ، أو عسيرًا بمشقة ، { كذلك نُصرِفَ الآيات } نُكررها ونُرددها { لقوم يشكرون } نعمة الله ، فيتفكرون فيها ، ويعتبرون بها . قال البيضاوي : والآية مثل لمن تدبر الآيات وانتفع بها ، ولمن لم يرفع إليها رأسًا ولم يتأثر بها ، ومثلُه في البخاري في حديث طويل . وقال ابن عباس وغيره : هو ضرب مثل للمؤمن والكافر . وقال ابن جزي : يحتمل أن يكون المراد ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، فتكون متممة للمعنى الذي قبلها في المطر ، وأن تكون تمثيلاً للقلوب فالطيب : قلب المؤمن ، والخبيث : قلب الكافر ، وقيل : هما للفِهم والبليد . هـ . الإشارة : وهو الذي يرسل رياح الهداية ، تنشر سحاب الواردات الإلهية والنفحات الربانية ، بين يدي معرفته ، أو تُبشر بها قبل وصولها ، حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً بالعلوم اللدنية ، سقناه لقلبٍ ميت بالجهل والهوى ، فأنزلنا مما فيه من ماء ذلك الأمطار ، فأخرجنا به من ثمرت العلوم وأزهار الحِكَم ونوار اليقين . وفي الحكم : " لا تزكين واردًا لم تعلم ثمرته ، فليس المقصود من السحابة الأمطار ، وإنما المقصود وجود الأثمار " . { كذلك نخرج الموتى } أي : نحيي القلوب الموتى بالجهل ، { لعلكم تذكرون } . والبلد الطيب ، وهو القلب الطيب ، إذا هبت عليه هذه الواردات ، ونزلت فيه أمطار النفحات ، يُخرج نباته من العلوم والمعارف بإذن ربه ، والذي خبث من القلوب لا يخرج ما فيه إلا نكدًا أي : ضعيفًا لعدم تأثره بالواردات والمواعظ . وقال الورتجبي : ذكر سبحانه القلب الذي هو بلد الله الذي مُطر عليه من بحر امتنانه ، ويخرج نبات ألوان الحالات والمقامات . ثم قال : وكل قلب بذره الهوى فنباته الشهوات . هـ . ثم شرع في ذكر قصص الأنبياء مع أممهم ، تفصيلاً لقوله : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا … } الآية ، فقال : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } .