Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 8-9)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { الوزن } : مبتدأ ، و { يومئذٍ } : خبره ، و { الحق } : صفته ، أي : الوزن العدل حاصل يومئذٍ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { والوزن } أي : وزن الأعمال ، على نعت الحق والعدل ، حاصل يوم القيامة ، حين يسأل الرسل والمُرسل إليهم . والجمهور على أن صحائف الأعمال تُوزن بميزان له لسان وكفتان ، ينظر إليه الخلائق إظهارًا للمعدلة وقطعًا للمعذرة ، كما يسألهم عن أعمالهم ، فتعترف بها ألسنتهم ، وتشهد بها جوارحهم ، ويؤيده ما رُوِي : " أن الرجل يُؤتى به إلى الميزان ، فيُنشَر عليه تسعَةٌ وتِسعُونَ سِجلاًّ ، كُلُّ سِجِلًّ مَد البَصَرِ ، فَتُخرَحُ لَهُ بطَاقة فِيهَا كَلِمةُ الشهَادِة ، فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفةٍ ، والبطاقة في كفّة ، فَتثقُل البطاقةُ ، وتَطِيشُ السِّجلاَّتُ " . وقيل : توزن الأشخاص لما رُوِي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنّهُ ليأتِي العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَة لا يَزنُ عندَ اللهِ تَعالى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ " والتحقيق : أن المراد به الإهانة والتصغير ، وأنه لا يساوي عند الله شيئًا لاتباعه الهوى . ثم فصل في الأعمال فقال : { فمن ثَقُلَتْ موازينه } أي : حسناته ، أو الميزان الذي يوزن به حسناته ، وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن ، فعلى الأول هو جمع موزون ، وعلى الثاني جمع ميزان ، فمن رجحت حسناته { فأولئك هم المفلحون } الفائزون بالنجاة والثواب الدائم ، { ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسَهُمْ } بتضييع الفطرة السليمة التي فُطِروا عليها ، واقتراف ما عرضها للهلاك ، { بما كانوا بآياتنا يَظلمُون } حيث بدلوا التصديق بها بالتكذيب ، والعمل فيها بالتفريط . نسأل الله تعالى الحفظ . الإشارة : العمل الذي يثقل على النفس كله ثقيل في الميزان لأنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقًا ، والعمل الذي يخف على النفس كله خفيف لأنه فيه نوع من الهوى إذ لا يخف عليها إلا ما لها فيه حظ وهوى ، وفي الحكم : " إذا التبس عليك أمران ، فانظر أثقلها على النفس فاتبعه فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقًا " . وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : والله ما ثقل ميزان عبد إلا باتباعه الحق ، وما خف إلا باتباعه الهوى . قال تعالى : { والوزن يومئذٍ الحق } . هـ . بمعناه ذكره في القوت . وهذا في غير النفس المطمئنة ، وأما هي فلا يثقل عليها شيء ، وقد يثقل عليها الباطل ، ويخف عليها الحق ، لكمال رياضتها . والله تبارك وتعالى أعلم . ثم ذكَّرهم بالنعم ، فقال : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } .