Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 16-19)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : اختلف المفسرون في وجه المناسبة في هذه الآية ، فقال بعضهم : ما تضمنه من الاقتدار على حفظه وإبقائه في قلبه ، بإخراجه عن كسبه وإمساكه وحفظه ، فالقادر على ذلك قادر على إحياء الموتى وجمع عظامها ، وتسوية بنانها . ونَقَل الطيبي عن الإمام الفخر : أنه تعالى لمّا أخبر عن الكفار أنهم يُحبون العاجلة ، وذلك قوله : { بل يُريد الإنسان لِيفجُر أَمامه } بيَّن أنَّ العَجَلة مذمومة ، ولو فيما هو أهم الأمور وأصل الدين ، بقوله : { لا تُحرِّكْ به لسانَك } فاعترض به ، ليؤكد التوبيخ على حب العاجلة بالطريق الأولى . هـ . وقيل : اعترض نزولُها في وسطِ السورة قبل أن تكمل ، فوُضعت في ذلك المحل ، كمَن كان يسرد كتاباً ثم جاء سائل يسأل عن نازلةٍ ، فيطوي الكتابَ حتى يُجيبه ، ثم يرجع إلى تمام سرده . انظر الإتقان . يقول الحق جلّ جلاله : { لا تُحرِّكْ به } بالقرآن { لسانَكَ لِتعجَلَ به } ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ في القراءة قبل فراغ جبريل ، كراهة أن يتفلّت منه ، فقيل له : لا تُحرك لسانك بقراءة الوحي ، ما دام جبريل يقرأ ، { لِتعجَلَ به } لتأخذه على عجلة ، لئلا يتفلّت منك ، ثم ضَمِنَه له بقوله : { إِنَّ علينا جَمْعَه } في صدرك ، { وقرآنه } وإثبات قراءته في لسانك ، فالمراد بالقرآن هنا : القراءة ، وهذا كقوله : { وَلآ تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [ طه : 114 ] ، { فإِذا قرأناه } على لسان جبريل { فاتَّبعْ قرآنه } أي : قراءته ، { ثم إِنَّ علينا بيانَهُ } إذا أشكل عليك شيء مِن معانيه وأحكامه . الإشارة : لا تُحرِّكْ بالواردات الإلهية لسانك لِتَعْجَل به حين الإلقاء ، بل تمهّل في إلقائه ليُفهم عنك ، إنَّ علينا جمعه وقرآنه ، أي : حفظه وقراءته ، فإذا قرأناه على لسانك في حال الفيض فاتبع قرآنه ، ثم إنَّ علينا بيانه . وفي الحِكم : " الحقائق ترد في حال التجلي جملة ، وبعد الوعي يكون البيان ، { فإذا قرأناه فاتبعْ قرآنه إنَّ علينا بيانه } " . ولا شك أنَّ الواردات في حال الفيض تبرز مجملةً ، لا يقدر على حصرها ولا تَفَهُّمِها ، فإذا فَرَغَ منها قولاً وكتابة فتَدَبرها وجدها صحيحةَ المعنى ، واضحةَ المبنى ، لا نقص فيها ولا خلل ، لأنها من وحي الإلهام ، وكان بعض المشايخ يقول لأصحابه : إني لأستفيد مني كما تستفيدون أنتم ، وكان الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه إذا فاض بالمواهب يقول : هلاَّ مَن يكتب عنا هذه الأسرار . إلى غير ذلك مما هو مُدوَّن عند أهل الفن . والله تعالى أعلم . ثم رجع الحق تعالى إلى الزجر عن إنكار البعث وحب العاجلة ، فقال : { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } .