Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 27-28)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله } بتضييع أوامره ، وارتكاب نواهيه ، { والرسول } بمخالفة أمره وترك سنته ، أو بالغلول في الغنائم ، أو بأن تُبطنوا خلاف ما تظهرون . قيل : نزلت في أبي لبابة في قصة بَني قُرَيْظَةَ . روي أنه صلى الله عليه وسلم حاصرهم إِحْدَى وعشرين ليلةً ، فَسَأَلوا الصُّلْحَ كما صَالَحَ إِخْوانَهُمْ بَني النَّضِير ، عَلَى أَنْ يَصيروا إلى إخوانهم بأذْرِعَاتٍ وأريحا من الشَّام ، فأبَى إلا أن يَنْزِلوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَأبَوْا وقَالوا : أرْسِلَ لنا أبا لُبَابَةَ ، وكان مُنَاصِحاُ لهُمْ لأنَّ عيَالهُ ومَالَهُ في أَيْدِيِهِمْ ، فَبَعَثَه إليْهِمْ ، فقالوا : ما تَرَى ؟ هَلْ نَنْزِلُ على حُكْم سَعْدٍ ؟ فأَشارَ إلى حَلْقِهِ ، أنه الذَّبْحُ ، فقال أبو لُبَابَة : فما زَالت قَدَمَاي حَتَّى عَلِمْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ الله ورسُولَهُ ، فنزل وشدَّ نَفْسَهُ إلى ساريةٍ في المسجد ، وقال : والله لا أَذُوقُ طعاماُ ولا شَرَاباً حتى أمُوتَ ، أوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أيام حتى خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيهِ ، ثم تَابَ اللَّهُ عليه فَقِيلَ لَهُ تِيب عَلَيْكَ فحُلّ نفسك ، فقال : لاً والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلَّه ، فقال صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحلَّه ، فقال : إِنَّ من تَمام تَوْبَتِي أن أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الّتِي أصَبْتُ فيها الذَّنْب ، وأن أنخَلِعَ من مَالِي ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يَجْزِيكَ الثُّلثُ أنْ تَتَصَّدَّقَ بِه " . ثم قال تعالى : { وتخونوا أماناتكم } فيما بينكم ، أو فيما أسر الرسول إليكم من السر فتفشوه ، { وأنتم تعلمون } أن الخيانة ليست من شأن الكرام ، بل هي من شأن اللئام ، كما قال الشاعر : @ لا يَكتُمُ السرَّ إلا كُلُّ ذِي ثِقَةٍ فالسرُّ عِنْدَ خِيَارِ النَّاسِ مَكْتُومُ @@ أو : وأنتم علماء تميزون الحسن من القبيح . { واعلموا أنما أموالكم وأولادُكُم فتنةٌ } لأنه سبب الوقوع في الإثم والعقاب ، أو محنة من الله ليبلوكم فيهم ، فلا يحملنكم حبهم على الخيانة ، كما فعل أبو لبابة . { وأنَّ الله عنده أجرٌ عظيم } لمن آثر رضا الله ومحبته عليهم ، وراعى حُدود الله فيهم ، فعلّقوا هممكم بما يؤديكم إلى أجره العظيم ، ورضاه العميم ، حتى تفوزوا بالخير الجسيم . الإشارة : خيانة الله ورسوله تكون بإظهار الموافقة وإبطان المخالفة ، بحيث يكون ظاهره حسن وباطنه قبيح ، وهذا من أقبح الخيانة ، وينخرط فيه إبطان الاعتراض على المشايخ وإظهار الوفاق ، فمن فعل ذلك فسيف الشريعة فوق رأسه ، إذا كان سالكاً غير مجذوب ، لأن من أفشى سر الملك استحق القتل ، وكان خائناً ، ومن كان خائناً لا يُؤمن على السر ، فهو حقيق أن ينزع منه ، إن لم يقتل أو يتب ، ولله در القائل : @ سَأَكْتُم عِلْمِي عَنْ ذَوِي الجَهْلِ طَاقَتِي وَلاَ أَنْثُرُ الدُّر النفيس على الْبَهَمْ فإنْ قَدَّرَ اللَّهُ الكريمُ بلُطْفِهِ وَلاَ أَهلاً للعلوم وللحِكَمْ بَذَلْتُ عُلومِي واسْتَنَفَدْتُ عُلُومَهُم وإِلاّ فمخزونٌ لديَّ ومُكْتَتَمْ @@ ثم دلهم على ما فيه دواء القلوب ومحو العيوب ، فقال : { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ } .