Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 45-47)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : بطراً ورئاء : مصدران في موضع الحال ، أي : بطرين ومراءين ، أو مفعول لأجله ، وويصُدُّون : عطف على بطراً على الوجهين ، أي : صادين ، أو للصد . يقول الحق جل جلاله : { يا أيها آمنوا إذا لَقيتُم فئةً } جماعة من الكفار عند الحرب { فاثبتُوا } للقائهم ، ولا تفروا ، { واذكروا الله } في تلك الحال سراً داعين له ، مستظهرين بذكره ، متوجهين لنصره ، معتمدين على حوله وقوته ، غير ذاهلين عنه بهجوم الأحوال وشدائد الأهوال إذ لا يذكر الله تعالى في ذلك الحال إلا الأبطال من الرجال { لعلكم تفلحون } بالظفر وعظيم النوال . قال البيضاوي : وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي ألا يشغله شيء عن ذكر الله ، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره ، فارغ البال ، واثقاً بأن لطفه لا ينفك عنه في جميع الأحوال . هـ . { وأطيعوا الله ورسوله } فيما يأمركم به وينهاكم عنه فإن الطاعة مفتاح الخيرات ، { ولا تنازعوا } باختلاف الآراء كما فعلتم في شأن الأنفال ، { فتفشلوا } وتجبنوا ، { وتذهب ريحُكم } أي : ريح نصركم بانقطاع دولتكم ، شبه النصر والدولة بهبوب الريح من حيث إنها تمشي على مرادها ، لا يقدر أحد أن يردها ، وقيل : المراد بها الريح حقيقة ، فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثه الله من ناحية المنصور تذهب إلى ناحية المخذول . وفي الحديث : " نُصِرتُ بالصِّبَا ، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُورِ " . { واصبروا إن الله مع الصابرين } بالمعونة والكلاءة والنصر . { ولا تكونُوا كالذين خرجُوا من ديارهم } ، يعني : أهل مكة ، خرجوا { بطراً } أي : فخراً وشَرّاً { ورئاء الناس } ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة ، وذلك أنهم لما بلغوا الجحفة أتاهم رسولُ أبي سفيان ، يقول لهم : ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فقال أبو جهل : لا والله حتى نأتي بدراً ، ونشرب بها الخمور ، وتغني علينا القيان ، ونطعم بها من حضرنا من العرب ، فتسمع بنا سائر العرب ، فتهابُنا ، فوافوها ، ولكن سُقوا بها كأس المنايا ، وناحت عليهم النوائح مما نزل بهم من البلايا ، فنهى الله المؤمنين أن يكون أمثالهم بطرين مراءين ، وأمرهم أن يكونوا أهل تقوى وإخلاص ، لأن النهي عن الشيء امرٌ بضده . { ويصدّون عن سبيل الله } أي : خرجوا ليصدوا الناس عن طريق الله ، باتباع طريقهم ، { والله بما يعملون محيطٌ } فيجازيهم عليه . الإشارة : خاطب الله المتوجهين إليه ، السائرين إلى حضرته ، وأمرهم بالثبوت ودوام السير ، وبالصبر ولزوم الذكر عند ملاقاة القواطع والشواغب ، وكل ما يصدهم عن طريق الحضرة ، وذلك بالغيبة عنه والاشتغال بالله عنه ، وعدم الإصغاء إلى خوضه وتكديره ، فمن صبر ظفر ، ومن دام على السير وصل ، وأمرهم ايضاً بطاعة الله ورسوله ، ومن يدلهم على الوصول إليه ، ممن هو خليفة عنه في أرضه ، وأمرهم بعدم المنازعة والملاججة ، فإن التنازع يُوجب تفرق القلوب والأبدان ، ويوجب الفشل والوهن ، ويذهب بريح النصر والإعزاز ، كما أن الوفاق يوجب النصر ودوام العز . ونهاهم عن التشبه بأهل الخوض والتكدير ، ممن أولع بالطعن والتنكير ، بل يكونون على خلافهم مخلصين في أعمالهم وأحوالهم ، دالين على الله ، داعين إلى طريق الله ، يُحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ، وهذه صفة أهل الله . نفعنا الله بذكرهم . آمين . ثم ذكر الباعث على خروج الكفار لغزوة بدر ، فقال : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ } .